بسم الله الرحمن الرحيم
حب الوطن وصدق الانتماء إليه
نظرة شرعية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم الدين أما بعد :
الوطن : هو مكان الإنسان ومقره . . والمواطن : هو الذي يتمتع بكامل الحقوق الإنسانية والمدنية في الدولة التي ينتمي إليها , وهو عضو في دولة له فيها ما لأي شخص ينتمي إليها من الحقوق والامتيازات التي يكفلها النظام , وعليه ما على أي شخص آخر من الواجبات التي يفرضها النظام . .
والوطني : نسبة إلى الوطن الذي يخلص الود لوطنه . .
فالوطن هو : مولد الإنسان , ومنشأه , والبلد الذي هو به . . وإليه انتماؤه . .
فهو مكان إقامة الإنسان , ومقره وإليه انتماؤه سواء ولد به أو لم يولد به . .
ونقصد بالوطن هنا : موطن الإنسان الخاص أي بلده , الذي به ولد ونشأ . . أو نشأ فقط .. ويشعر بارتباطه به , وانتمائه إليه . . وتحده حدود جغرافية معينة ومتعارف عليها دولياً . . والمقصود في هذا المقام المملكة العربية السعودية . .
2ـ الأدلة على حب الوطن :ـ
حب الوطن من الفطرة التي فطر الله الناس عليها . . فالناس كلهم مفطورون على حب أوطانهم , والحنين إليها . . ففي الوطن كما نعلم لهج الشعراء . . وتمثل به الحكماء , ونثر بمعانيه الأدباء . .
والأدلة على حب الوطن كثيرة , ومتواترة . . نسوق بعضاً منها :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم قاصداً مسقط رأسه مكة المكرمة: (( ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك )) صحح هذا الحديث الألباني في صحيح الجامع .
وفي لفظ ـ صحيح ـ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن مكة أيضاً : (( والله إنك لخير أرض الله إلي ولولا أني أخرجت منك ما خرجت )) . .
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدران المدينة أوضع ناقته إن كان على دابة حركها من جهتها ) . .
: ( وفي الحديث دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه ) . .
وقديماً قيل ( حب الوطن من الإيمان ) وهذه حكمة وليست ـ فيما أعلم ـ بحديث , ومعناها صحيح , أي حب الوطن من علامات وأمارات الإيمان . .
وروي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : ( لولا حب الوطن الخرب البلد السوء ) .
وجاء في قصة نزول الوحي على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذهابه إلى ورقة بن نوفل , وقول ورقة للنبي صلى الله عليه وسلم ( ليتني أكون معك إذ يخرجوك قومك ) فقال صلى الله عليه وسلم : ( أومخرجي هم ) ؟ , قال السهيلي : يؤخذ منه شدة مفارقة الوطن على النفس , فقد ذكر ورقة من التكذيب $ , وكذا الإيذاء , ولم يظهر منه الانزعاج $ ولم ينزعج إلا لما ذكر من إخراج قومه له من وطنه لحبه له وإلفه إياه . .
وقال أعرابي : ( إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر إلى تحننه إلى أوطانه ) . .
وقال الجاحظ : ( قال بعض العجم :من علامات الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة , وإلى مسقط رأسها تواقة . . ) أ.هـ .
إن حب الوطن أمر لا غضاضة فيه , بل إن المرء حين لا يحن أولا يحب وطنه , ومجمع أهله وأسرته وعشيرته , ومقطع سرته , ومأوى قومه ومدرجهم . . فهو في نظري إمرأ غير سوي في فطرته . . . فمن لا خير فيه لوطنه . . فلا أضن أن فيه خير لأهل ديانته . .
3ـ معنى الولاء والانتماء للوطن :
ونحن نتحدث عن ولاء الإنسان لوطنه , وانتمائه إليه . . قد يشكل على البعض المراد بهذه الألفاظ أو المصطلحات هنا فنقول : الولاء والحب أولاً وقبل كل شيء لله سبحانه وتعالى ثم بعد ذلك تأتي الاعتبارات الأخرى بما لا يتعارض مع الاعتبار الأول أو يناقضه ومن ثم فأنني أعني بالولاء هنا : محبة الوطن ونصرته والذود عنه , وطاعة ولاة أمره بالمعروف . . وطاعته بالمعروف . .
أما الانتماء : فأعني به الانتساب الحقيقي للوطن . . رغبة منه في ذك واعتزازاً بالانضمام إليه , والتضحية من أجله وفق الضوابط الشرعية . . تضحية نابعة من شعوره بحب ذلك الوطن وقاطنيه . .
فمفهوم الانتماء يعني : السلوك والعمل الجاد الدؤوب من أجل الوطن , والتفاعل مع أفراد المجتمع من أجل الصالح العام . .
فالشريعة الإسلامية لا تنكر انتماء الإنسان إلى أرضه , أو قبيلته أو مجتمعه , لأن هذا من الأمور السابقةعليه , ورثها من غيره , ولا خيار له فيها . . فالذي يولد في أرض السعودية لاشك هو سعودي . . وهكذا غير من ولد في غير أرض السعودية كالمصري والباكستاني والهندي واليمني والسوري . . فهم مصريون وباكستانيون وهنود ويمانيون , وسوريون . . . فرابطة الإسلام وعقيدته أولاً , ثم بعد ذلك يأتي الانتماءات الأخرى كالانتماء للأسرة , والقبيلة أو العشيرة والمجتمع , والوطن . . وهكذا . .
وبمعنى آخر هناك عدة دوائر كل دائرة داخل أخرى أكبر منها . . ولا تعارض بينها . . فلا تتعارض محبة الأسرة , أو محبة العشيرة أو القبيلة , أو حب الجيران وأهل الحي أو البلدة أو القرية . . مع محبة دين الإسلام والانتماء إليه , الذي يعد مقدماً على تلك الانتماءات لكنه لا يلغيها من الواقع . .
فالمسلم يحب ولده , ويحب أهله ,ويحب أسرته , ويحب جيرانه ويحب أهله حيه , ويحب أهل قريته أو مدينته , ويحب وطنه . . ويحب دينه وأهل ديانته . . ولكل مجاله
وضوابطه . .
فالمواطن السعودي بناءً على ذلك وجدانه وعاطفته وانتماؤه إنما يكون إلى كل ما هو سعودي شرقاً وغرباً , شمالاً وجنوباً . .
4ـ حب الوطن لا يتعارض مع الانتماء العام للأمة الإسلامية:
هذا وما ذكرناه لا يتعارض مع انتمائنا للأمة الإسلامية , وحبنا لأمة الإسلام ممن هم على المنهج الحق والمعتقد السليم , والطريق السوي . . فهو لا يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم: (( ليس منا من دعا إلى عصبية , وليس منا من قاتل على عصبية , وليس منا من مات على عصبية )) وقوله تعالى : ﴿ إنما المؤمنون أخوة ﴾ الأحزاب / 44 , وقوله $ : (( المسلم أخو المسلم )) وغيرها من الآيات والأحاديث في هذا المعنى . . ولسنا ندعو إلى أن يكون ولاء المواطن لوطنه ليس إلا . . ويترك ولاءه وانتماءه لدينه وإسلامه , وأن ينسلخ من هويته الإسلامية . . معاذ الله ؟!! بل نقول : لا تعارض بين هذا وذاك . . فيبقى حب الوطن والدفاع عنه فطرياً طالما أن هذا الوطن جزء من كيان الوطن الإسلامي من غير انسلاخ من الهوية الإسلامية أو الدعوة ـ عياذاً بالله ـ إلى العصبية القبلية أو القومية للوطن ليس إلا . . ؟ ولا نتغنى بالوطن والوطنية ونقيم على أساسها الولاء والبراء وننسى عقيدة الإسلام ورابطة الإسلام وأخوة الإسلام ؛ فالعبادة لله وحده خالصة فهو خالقنا جميعاً , خلق الإنسان وأوجد له وطناً وبلداً وحببه إليه . . فحب الوطن جزء من فطرة الإنسان ولكل نوع مجاله , ومحبته ووده وتقديره . .
إذاً الإسلام والوطنية ممتزجان . . فهي لا تخالفه ولا تحيد عنه , إنما هي بمثابة الفرع عن الأصل . . فالمخل بشيء من لازم الوطنية إنما ذلك نتيجة لضعف التزامه الديني , وانحرافه الفطري . .
وهذه الوطنية بانبثاقها من الإسلام فإنها لا تمثل تعالياً على الآخرين من غير المواطنين أو أبناء الدول الإسلامية الأخرى . . ولا انقطاعاً عن المسلمين وعن أمة الإسلام . . ولا نريد أن نجعل منها شعاراً نرفعه لتكون شريكاً للإسلام أو نداً له , أو مقدماً عليه . . ؟ إن هذه الوطنية منبعها واستمدادها من الدين , ولذلك تحمل أبناء هذا الوطن مسؤولية كبرى تجاه وطنهم وإخوانهم المسلمين في شتى بقاع العالم ولاءً وتعاطفاً مع إخوانهم , واهتماماً , بمصالحهم , ومشاركتهم شؤونهم وشجونهم . .
وعليه فإن الانتماء للوطن انتماء خاص وولاء خاص بحكم الشرع أولاً ثم بحكم الفطرة وسنن الله في الخلق , فالوطن الخاص وأهل جزء من كيان الأمة الإسلامية ومحبته والولاء له , والانتماء إليه مما تقتضيه الضرورة وتدعو إليه الفطرة . .
ثم كيف لا يحب الإنسان وطنه ويتعلق به قلبه وقد نشأ فيه جسده وترعرع . . ومن أرضه أكل . . ومن مائه شرب . . ومن هوائه تنفس . . ومن خيراته تنعم . . . وفيه عبدالله . . وعلى ترابه سجد له . . . ؟ !!
كيف لايحب الإنسان وطنه وهو يعي ويعلم يقيناً أن سلامة الأبدان , والأمن في الأوطان من أجلّ النعم المغبون فيها كثير من الناس . . ؟ !!
كيف لايحب الإنسان وطنه . . وله ولاؤه . . وإليه انتماؤه . .
يقول تعالى : ﴿ فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم . . ﴾ آل عمران /195 . . فالإخراج من الديار أي ( الأوطان ) من حقهم القتال في سبيل ذلك . . كي يستردوا ديارهم التي أخرجوا و طردوا منها من أيدي
المعتدين . .
بل إن الدفاع عن الأوطان سبب مشروع من أسباب الجهاد ونوع من أنواع الجهاد وهو ما يسمى بجهاد الدفع الذي يتولى تقديره والدعوة إليه ولي الأمر عندما تدعو الضرورة إليه . .
فالوطنية فطرة إنسانية معادلة للحياة , وفقدها موت يقول تعالى : ﴿ ألم تر إلى الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون , وقاتلوا في سبيل الله وأعلموا أن الله سميع
عليم ﴾ البقرة / 243 .
فعودتهم إلى أوطانهم هو استخلاص لهم , وحياة لهم بعد ممات . . ؟ !!
ويقول سبحانه وتعالى :﴿ ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم مافعلوا إلا قليل منهم . . ﴾ الآية , النساء / 66 . .
والمسلم مطالب أن يقدم الأقرب فالأقرب رحماً وجواراً . . حتى إنه لم يجز له نقل الزكاة إلى مسافة أبعد من مسافة قصر إلا لحاجة شديدة أو ضرورة ؛ وذلك من باب إيثار الأقربين ؛ فالأقربون أولى بالمعروف . . فهو مطالب أن يسد الثغرة التي هو فيها , ونشأ على أرضها . . ويدافع عنها وفق الضوابط الشرعية والأعراف المرعيةٍ . .
كما أن الشارع جعل النفي عن الوطن والتغريب عنه عقوبة شرعية كما في حد الزاني غير المحصن وذلك لما جبلت عليه النفوس من حب الوطن والتعلق به وكره مفارقته فكان قطع النفس عن ذلك عقوبة قاسية شرعها الله ردعاً للزاني وغيره . .
5ـ المقصود بالوطنية وهدفها :
لسائل أن يسأل ـ بعدما ذكر ـ ويقول : ما المراد بالوطنية ؟ وما هدفها ؟ فنقول :
الوطنية : تأتي بمعنى حب الوطن . . وهي الرحم الذي أنجب المواطنة التي تمثلت في علاقة الحاكم بالمحكوم من حيث تبادل الحقوق والواجبات بناءً على رابطة الدين أولاً ثم الرابطة الوطنية ثانياً . .
وتتميز المواطنة بنوع خاص من ولاء المواطن لوطنه , وخدمته له في السلم والحرب , والتعاون مع المواطنين الآخرين عن طريق العمل المؤسسي والفردي الرسمي والتطوعي من أجل تحقيق الأهداف التي يصبو إليها الجميع , وتوحد من أجلها الجهود , وترسم الخطط وتوضع الموازنات . .
فلابد من غرس التربية الوطنية في نفوس الناشئة بخاصة . . هذه التربية التي تهدف إلى تقوية شعور الإنسان أو الفرد بالانتماء إلى وطنه أولاً . . وتقوية إيمانه بأهدافه وتوجيهه توجيهاً يجعله يفخر بذلك الوطن ويخلص له ويسهم في توفير أسباب السعادة في الحياة فيه , ولا يتردد في الدفاع عنه عند الحاجة فضلاً عن الضرورة . . كما تهدف إلى تبصير المواطن بالأخطار التي تهدد وطنه , وتحصينه ضد الأفكار والآراء التي قد تهدده وتعصف بأنه الفكري . . فعلينا أن نتحلى بمقومات المواطنة الصالحة في ضوء تعاليم الإسلام وثوابته وقواعده وأحكامه ومقاصده . .
وخلاصة القول : أن المواطنة الصالحة الإيجابية : تتجلى في القول , والعمل . . وفي الترك والفعل .. في التوازن بين الحقوق والواجبات . .
فهي لا تعدوا أن تكون ( قيام الإنسان بحقوق وطنه المشروعة في حدود الإسلام
وأحكامه . .)
6ـ حقوق الوطن علينا :
حق الوطن على الإنسان عظيم أكثر من أن يعد ويحصى في هذه العجالة وحسبي أن الجميع يدرك ذلك على ضوء ما قدمنا . . كما أن لمن يتولى أمر هذا الوطن حقوق كثيرة مرعية وواجبات مدونة على كافة الرعية . . لعظم قدره ومكانته ومسؤوليته . . وقد خلق الله تعالى الأرض ودحاها , وسخر كل مافيها لبني الإنسان . . ليعمرها عمارة معنوية بالطاعات . . وليعمرها عمارة حسية بالبناء والتنمية والإنتاج والتقدم والرقي والحضارة . . والمحافظة على خيراتها وثرواتها . .
يقول تعالى : ﴿ وهو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه إليه النشور ﴾ الملك / 15 .
هذا في عامة الأوطان . . . فكيف إذا كان هذا الوطن هو بلاد الحرمين . . ومهبط
الوحي . . ومهوى الأفئدة . . وقبلة المسلمين . . . ومأوى نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم . . وفي رباه وربوعه تطبق أحكام الإسلام في شتى شؤون الحياة . . فالمسؤولية إذاً أعظم . . والحقوق أكثر . . والواجبات أكبر والله المستعان . . ؟ ؟ !!
فنحن ندرك جميعاً مكانة هذا الوطن على جميع المستويات العربية والإسلامية والدولية وما يحظى به من تقدير واحترام من الجميع , لسمو أهدافه . . وسلامة متطلباته . ونبل مقاصده وغاياته . . واعتدال سياسته , وعمق تراثه وأصالته . . ورشادة قيادته . . وحكمتها وحنكتها . . وحرصها على إرادة النفع والخير للجميع في مشارق الأرض ومغاربها . . ومحاربتها للفساد والإرهاب والإفساد . . وسعيها للوحدة والتضامن والاتحاد . . ونبذ الفرقة والخلاف والاختلاف . .
إن واجبنا المحافظة على هذه المكانة وتعزيزها وحمايتها . . وذلك من خلال التعريف بحق الوطن علينا جميعاً والتذكير بما نحن فيه ـ بحمد الله ـ من نعم كثيرة من أجلها نعمة الإسلام والأمن والأمان والطمأنينة والرخاء والاستقرار والوحدة والاجتماع . .
كما أن علينا تبصير الناشئة بأهمية وحدة الوطن . . واجتماع شمل أبنائه . . . والالتحام مع قادته وولاته . . . وأيضاً تبصيرهم بما يتمتع به قادة هذه البلاد ـ حفظهم الله ـ من حكمة وحنكة وبعد نظر وإخلاص لدينهم واهتمام برعاياهم وأمتهم . . ومالهم من سابقة في تحكيم شرع الله وتنفيذ حدود الله والضرب بيد من حديد على كل مفسد ومخرب
ومجرم . . وعابث ومرهب وضال . . فالواجب علينا معرفة حق هذه النعمة , وشكر المنعم عليها , وألا نقابلها بالكفر والجحود والنكران والتخريب والإفساد والإرهاب . . . فنكون ـ عياذاً بالله ـ من الذين قال الله فيهم : ﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار ﴾ إبراهيم / 28 . .
فهذا البلد ـ بحمد الله ـ ينعم بعلاقة قديمة وقوية بين الراعي والرعية , لاتهزها الفتن والأهواء , ولاتكدرها الزوابع والأحقاد . . . فلابد من تعميق هذا التلاحم . . والتعبير بجدية عن صدق الانتماء والوفاء . . . وهذا من باب الأمانة والديانة . . وأن نحافظ على مكتسباته ومقدساته وثرواته وخيراته . . وأن ندرأ عنه الفتن والأخطار وأن نذب عن حياضه لاسيما في هذا الوقت الذي يحاول فيه أهل البغي والإفساد والإرهاب التأثير على أمنه واستقراره , والنيل من وحدته وتلاحمه . . والتشكيك في ثوابته ومعتقده . .
وأن نتعاون في ذلك مع القيادة ونتآزر ونتلاحم من أجل مواجهة هذه الفئة الباغية الضالة التي لم تجني على نفسها فحسب بل وعلى الدين والوطن . . ونبعد عنه أي مؤثر أو باغ أو مفسد أو مرهب . . أو ضال أو مفجر أو مكفر . . بل أي غال أو جاف أو متطرف في فكره
أو منحرف فيه , أوشاذ في منهجه وأخلاقه وسلوكه . .
وعلينا أن نشخص الداء ونستقصي أسبابه ونكشف فكر الأعداء ومن سار على دربهم ونبين زيفه وزيغه وضلاله . . ومن ثم نضع العلاج الناجح بعمق واتزان ومصارحة كل بحسبه للقضاء على هذه المشكلة والانحراف . . وتقرير السلم والأمان والاطمئنان للوطن وأهله . .
وأن لا ننخدع بتأثيرات من يسعى لتدمير وطنه وترويع الآمنين فيه وتخويفهم وإرجافهم . . وتبرير هذه الفعال المشينة المحرمة شرعاً وعقلاً بدعوى حب الدين ونصرته . . والجهاد والشهادة في سبيل الله , والله ورسوله بريء من هذا الفعل القبيح والعمل المشين , والتصرف المناهض للدين . . ! ! فأمثال هؤلاء هل يقال إنهم مواطنون صالحون مخلصون نافعون لدينهم وأوطانهم ومجتمعاتهم . .
لا , وكلا بل وألف كلا . . ؟ ! !
7ـ مفهوم المواطن الصالح :
مما تقدم نستطيع أن نحدد مَنْ المواطن الصالح , فنقول : إن المواطن في المفهوم العام هو : القاطن في الأرض التي اتخذها موطناً له .
وأقصد به هنا : الفرد الذي يعيش على أرض المملكة العربية السعودية ـ وطننا الحبيب ـ ينتمي إلى رعاياها , له حقوق , وعليه واجبات. . دينه الإسلام . . ولغته العربية . . وتربطه بإخوانه من أفراد الشعب السعودي الآخرين روابط الأخوة في الإسلام والعروبة , والمصير المشترك . .
والمواطن الصالح : هو ذلك الإنسان الذي أعد نفسه إعداداً تربوياً سليماً وفق أحكام الإسلام وآدابه وتعاليمه . . مع البعد عن أي انحراف فكري أو سلوكي أو خلقي . . هدفه بعد توحيد الله وعبادته عمارة الأرض وتحقيق خلافة الله فيها , والدفاع عن دينه ووطنه وأمته . . حريصاً على أمن الوطن والحفاظ على مكتسباته ومقدراته . . . إلخ . .
وعليه فإنه لا يكون مواطناً صالحاً من كان منحرفاً في فكره , و واقعاً في البدعة في الدين , وسيئاً في خلقه ومعاملته . . . وغال في فكره ومنهجه ومتطرفاً فيه . . بل ومقلداً لفكر الخوارج وأهل الضلال . . وغير معظم لشعائر الدين . .
ولا يكون مواطناً صالحاً من يسعى لتدمير بلده ووطنه ويخطط لذلك . . وينزع يد الطاعة من سلطانه وولي أمره الشرعي . . وساعد أو يدير العمليات التخريبية في السر والخفاء والظلام والسواد كالخفافيش التي تعمل بالظلام . . وفي النهاية لا دينه نصر . . ولا وطنه خدمه وأسعده . . بل لا يزيد فعله للإسلام إلا تشويهاً وانتقاصاً وحرباً مادية ومعنوية من الأعداء عليه . . مع الأسف الشديد ؟ ؟ ! !
فالمواطن الصالح هو عكس ما تقدم فهو الذي يحب السلام والأمان . . . والخير لبلده ووطنه ومواطنيه وأهله وشريعته ودينه وأهل ملته . . ولا ينقض يداً من بيعة . . ويحب ولاة أمره , ويتلاحم معهم ويكون ناصراً لهم ومعيناً ومتعاوناً مهم على البر والتقوى . . . ويحب أن يعيش الكل بسلام ومودة ووئام واطمئنان في ظل شريعة الرحمن , وهدي القرآن . . ولا يساوم على أمن وطنه أو يزايد عليه مهما كانت الأسباب والمبررات . . فالأمن مصدر كل خير . . ولن يستطيع أي إنسان أو فرد أن يمارس عمله في أي حقل حضاري إلا في ظل
الأمن . . ولهذا شدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على مسألة السمع والطاعة ولزوم الجماعة ـ جماعة المسلمين ـ وغلّظ على الخارجين المارقين , وأهدر دمهم وقال : (( من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً , مات ميتة جاهلية )) متفق عليه . . أو كما قال عليه الصلاة والسلام . . كما أن محاربة المؤسسات الشرعية والنظامية في الدولة
أو العبث فيها أو تخريبها أو النيل منها يعد خروجاً على السلطان وعن طاعته فالسلطان ليس فرداً أو شخصاً بعينه إنما هو مفهوم وقيمة متى اجتمعت عليه الكلمة وتعين سلطانه وملكه وتمت مبايعته . .
فالمواطن الصالح إذاً رجل أمن . يسعى لتحقيق الأمن , ويعده مطلباً ضرورياً وأساساً للاستقرار وعبادة الملك الديان . . ويطيع ولي أمره وقادته في كل الأحوال في المنشط والمكره بالمعروف . .
ويعلم أن النعمة التي نعيشها ليست لمواطن دون مواطن , إنما هي نعمة للجميع للكل دون تفرقة على كل مواطن أن يؤدي واجبه تجاهها, ويبذل جهده للمحافظة عليها , وعلى استقرار بلده , وتقدمه في أي منطقة أو محافظة أو مكان أو بقعة في الحاضرة أو البادية . . على كافة الأصعدة والاتجاهات . . ؟ ؟
فعلى الفلاح في مزرعته أن يكون رجل أمن . . وعلى التاجر في تجارته أن يكون رجل
أمن , وهكذا . . فنحن كلنا رجال أمن . . وعلينا أن ندرك أننا مستهدفون . . نواجه حملة ظالمة في وسائل الإعلام ؛ وقد يكون بعضها من وسائل الإعلام العربية المأجورة ؟ ؟ . . وهي حملات تحاول التشكيك في تلاحمنا في وحدتنا . . في ديننا . . في معتقدنا . . في ثوابتنا . . في تطبيقنا لشريعة ربنا . . في أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر . . في منجزاتنا . . في
خيراتنا . . في مناهجنا التعليمية . . في مواقفنا الرائدة المشرفة في كافة المحافل المحلية والعربية والدولية . . ومصدر ذلك كله الحسد والحقد على النعمة التي نتفيأ ظلالها , ونتقلب في خيراتها فكل ذي نعمة محسود . . !! حيث نعيش في بلد ـ بحمد الله ـ آمنين على أنفسنا , وأعراضنا , وأموالنا وعقولنا مطبقين شرع ربنا , ضاربين بيد من حديد على كل متعد لحدود الله أو عابث في أمن هذا الوطن ومقدراته . . وهي نعمة ولاشك حرم منها الكثير من الشعوب والدول نامية أو متقدمة في عالم أرعبه الخوف ومزقه الجوع وضاق بالفاقة . . .
وعلى كل مواطن مخلص أن يواجه هذه الحملات والشائعات المغرضة بالرد عليها كل حسب طاقته وجهده وبقدر علمه وثقافته ووعيه واستيعابه . . بأسلوب علمي رصين هادف حكيم , بعيد عن الجدال والمراء والمهاترة والإنشاء . . فنحن وبحمد الله نعيش في وطن أرضه صلبه , وقاعدته متينة , أمورنا واضحة , وأعمالنا ظاهرة لكل ذي لب وبصيرة وعقل راشد منصف . . فواقعنا يحكي ذلك . . وتمسكنا بديننا ومعتقدنا الحق خير برهان ودليل . . . ولغة الأرقام تترجم حالنا , فلسان حالها يقول : إننا أنجزنا خلال ثلاثين سنه فقط ما لم تنجزه أكبر الدول المتقدمة في عشرات السنين . . وأنفقنا بلايين الريالات بل الدولارات على إعداد وبناء المواطن السعودي وتأهيله تأهيلاً عالياً دينياً وعلمياً وتقنياً . . ودفعنا بلايين الريالات لإخواننا المحتاجين والمتضررين في كافة أنحاء العالم لاسيما الدول العربية والإسلامية وذلك فضل من الله ومنّة . .
. .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
وختاماً أسأل الله أن يحفظ هذا الوطن وولاة أمره من كل سوء وبلاء وفتنة ومكروه , وأن يعم الأمن والأمان في بلادنا . . وأن يجنبنا الفرقة والنزاع والشقاق والإفساد والإرهاب . . ويغفر لنا ولوالدينا ولكل من كان علمه معيناً لنا سلفاً وخلفاً . . ﴿ ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ﴾
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
.منقووول