د. يارمو كوتيلاين
شهدت الأزمة العالمية الحالية استمرارية كبيرة في السياسات الاقتصادية والمؤشرات الاقتصادية الرئيسية في جزء كبير من منطقة الخليج.مع ذلك فإن ظهور الاستقرار كان السبب في التدخل العنيف للحكومة في حين قد تميز سلوك القطاع الخاص بتجنب المخاطر الكبيرة والتراجع الفعلي في مناطق معينة من النشاط.
وقبل كل شيء فإن السبب في تحسن بيئة الاقتصاد الكلي في المنطقة هو مزيج من انتعاش أسعار النفط والمشاركة الحكومية النشطة.
على النقيض من ذلك فقد ظل القطاع الخاص بطيئا إلى حد ما. مع ذلك يبدو أن المؤشرات حاليا تضرب بوضوح وباستمرار مما يزيد من إمكانية عودة التحول.
تحول مبدئي
العدد المتزايد من الدراسات الاستقصائية لقطاع العمال وثقة المستهلكين في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي ترسم بوضوح واستمرار صورة تحسن تدريجي في الحالة المزاجية. مع ذلك فلا يزال التحسن بعيدا عن الانتظام في جميع أنحاء المنطقة وهشا بوضوح في مواجهة الفجوات الداخلية والخارجية في حين أن الاتجاه العالمي إيجابي فإنه لم يكن مستمرا بشكل كامل أو قوي بصورة خاصة.
يتفوق اقتصاد المملكة العربية السعودية واقتصاد قطر من بين الاقتصادات الإقليمية بشكل كبير على أقرانهما من الاقتصادات. تزايدت نظرة المستثمرين حاليا لاقتصاد المملكة العربية السعودية كوجهة استثمارية رائدة تتطابق تصورات آفاقها مع حجمها وديموغرافيتها المحتملة.
تشير بيانات القطاع الاقتصادي والمالي للمملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة إلى ظهور تجاويف النمو في القطاع الخاص ونمو نشاط إيجابي كبير إلى حد ما في بعض المجالات. نقطة البيع والشراء وخطابات البيانات الائتمانية الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي على أساس شهري كلاهما يشيران إلى تحسن متناسق وملحوظ في الأشهر الأخيرة. ارتفعت نسبة خطابات الاعتماد الصادرة عن البنوك السعودية ارتفاعا قويا 18.5 في المائة على أساس سنوي في النصف الأول من السنة. وقبل كل شيء فقد استوردت مواد البناء والسيارات والآلات مما يشير إلى نشاط إيجابي كبير وراء الاستثمار والاستهلاك على حد سواء.
تواصل نمو نقطة تعاملات البيع منذ ربيع 2009م وتعافت إلى حد كبير من فترة الركود العميق التي بدأت في أوائل عام 2007م. الائتمان الاستهلاكي هو مجال آخر من المجالات المتقدمة باستمرار. ارتفعت القروض الاستهلاكية في الربع الثاني من العام بنسبة 9.2 في المائة سنويا بسبب قروض الإسكان والسيارات طويلة الأجل اللتين ارتفعتا في الربع الثاني من العام بنسبة 30 في المائة و6.2 في المائة على أساس سنوي على التوالي. من ناحية أخرى فقد انخفضت دائرة الائتمان غير المضمونة بنسبة 5.2 في المائة مما يشير إلى أن البنوك لا تزال تبتعد عن المجازفة.
على الرغم من التقدم فإن وتيرة الانتعاش بعيدة كل البعد عن ذلك. توقف الائتمان المصرفي في العامين السابقين وهناك علامة واضحة للقليل من قوة الدفع الإيجابية وخاصة في إقراض القطاع الخاص. تسارع معدل النمو السنوي للائتمان المصرفي للقطاع الخاص في المملكة العربية السعودية بشكل طفيف من 3 في المائة إلى 3.4 في المائة في تموز (يوليو)، في حين أن الاتجاه إيجابي فإن نسبة التقدم أبعد من أن تكون خاضعة للمعايير التاريخية. حتى إقراض مشاريع القطاع العام (التي تعتبر مصدرا للمرونة في العام السابق ) أصبحت شديدة التقلب في الأشهر الأخيرة وانخفضت قليلا عاما بعد عام. بصفة عامة فإن بيانات الائتمان المصرفي المنسوخة في معظم أنحاء المنطقة لا تزال تشير إلى وجود نمط من الانتعاش المعتمد على إنفاق القطاع العام.
الثغرات المحتملة
لا يزال الانتعاش عرضة لمجموعة مخاطر غير عادية في الاقتصاد الإقليمي وخاصة خارجيا بالرغم من أن معظم المؤشرات تشير إلى الاتجاه الصحيح إلا ما كان بشكل هامشي. تجربة العام الماضي تدل على الطرق التي من الممكن أن تضعف هذه المخاطر وتؤخر التحول الاقتصادي.
في هذه المرحلة يبدو أن الأخطار الرئيسية هي خارجية مع الحالة الاقتصادية العالمية مرتفعة المخاطر وغير المضمونة. من المرجح ألا يكون هناك تحسن ملموس على المدى القريب ويزداد القلق من حدوث ركود على شكل دبليو. تواجه الاقتصادات الغربية الرئيسة مستويات قياسية من البطالة وضعف سوق الأصول في حين تزايدت صعوبة استمرار تدابير التحفيز الحكومية. تزايد الضغوط من أجل ضبط الأوضاع المالية العامة أثر في فعالية التدابير السياسية النقدية غير التقليدية كمصدر وحيد للمرونة الإضافية. يشهد نظام العملات العالمية (مع القليل من الأجزاء المتحركة) تقلبات كبيرة حيث إن العملات الآمنة قد تشكل خطرا على الانتعاش في اقتصاداتها.
تجدد الضعف العالمي حتما سيعكس على الأقل أسعار النفط إلى حد ما والذي حتى الآن يعتبر واحدة من الركائز الأساسية لانتعاش دول مجلس التعاون الخليجي . تجدد التوتر في الأسواق المالية قد يضرب الأسهم الإقليمية وأسواق الديون وقد يعقد أيضا الجهود التي تبذلها الشركات الإقليمية سريعة التأثر للتغلب على الأزمة. من الممكن أن يؤدي هذا إلى أنواع جديدة من حالات التقصير على الأقل ليس بسبب الضعف المستمر لبعض أسواق العقارات الإقليمية ، في حين أنه تم إحراز تقدم جيد في معالجة عجز الشركات وتم وضع إجراءات مناسبة لها فإن العملية بعيدة عن الاكتمال كما أن النكسات المؤقتة لديها القدرة على تعكير المزاج، إضافة إلى ذلك فقد أبرزت الاضطرابات الأخيرة المتصلة بالأحوال الجوية في روسيا وباكستان (من بين أمور أخرى) إمكانية الحصول على صدمات السعر والكمية لأسواق المنتجات الزراعية التي تعتمد عليها المنطقة.
القيود السياسية الاقتصادية
بقدر ما يوفر ربط العملات الخليجية بالدولار حافزا مرحبا به في وقت من عدم الاستقرار الاقتصادي، فإن الخطر حاليا يخلق حالة طويلة ومستمرة من انخفاض معدل الفائدة بالرغم من استفادة البيئة الداخلية من التشديد التدريجي. نظرا لخطر النفور فقد عقدت البنوك احتياطيات كبيرة في مؤسسة النقد العربي السعودي ولكن تسببت العائدات المنخفضة في خروج بعض الأموال من البلاد وارتفاع الاستثمارات الأجنبية مرة أخرى.
في الوقت نفسه فقد خلقت التدخلات المالية الحكومية العنيفة المرحب بها من نواح عديدة مخاطر المزاحمة. سيطالب القطاع العام بالموارد من القطاع الخاص ويتقدم ببطء (أو يكون غير قادر في بعض الحالات) للرجوع للأوضاع المتحسنة وبالتالي يحتمل تحجم القطاع الخاص. أنشأت القيود التنظيمية أيضا قيودا لاسترداد القروض المصرفية. ارتفعت النسبة الإجمالية للقروض إلى الودائع مرة أخرى فوق مستوى 80 في المائة في حين لا يزال المصرف المركزي الإماراتي يحاول تخفيض الإجمالي الوطني لأقل من 100 في المائة، في حين أن الودائع المصرفية لا تزال تستفيد من البعد عن المخاطرة فإن معدلات الفائدة المنخفضة تعتبر مشكلة محتملة ومن الممكن أن تعقد الجهود لجذبهم للمضي قدما.
كبير الاقتصاديين - «الأهلي كابيتال»