Admin Big Boss
عدد الرسائل : 2011 العمر : 47 الموقع : https://aleraqi.alafdal.net العمل/الترفيه : الرئيس العام لمجموعة منتديات عائلة العراقي المزاج : توكلت علي الله في عملي ورزقي مزاجي : رقم العضوية : رئيس المنتدي تاريخ التسجيل : 07/08/2008
| موضوع: هل انظار المعسر يجب شرعا الجمعة مايو 28, 2010 11:03 pm | |
| اتفق الققهاء في الجملة على عدم حبس المعسر وأنه يجب إنظاره لقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، إلا ما روي عن بعض السلف من أن الآية خاصة بالربا. ولكن اختلفوا فيما إذا كان دين المفلس عن عوض أو كان المفلس من الأغنياء ثم ادعى الفلس ، وهل يلزم المفلس بالعمل من أجل سداد أو لا يلزم؟
وإليك بعض النقول كما طلبت: أحكام القرآن للجصاص عند تفسيره لقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وقد اختلف في معنى قوله : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } فروي عن ابن عباس وشريح وإبراهيم ( أنه في الربا خاصة ) وكان شريح يحبس المعسر في غيره من الديون . وروي عن إبراهيم والحسن والربيع بن خيثم والضحاك ( أنه في سائر الديون ) , وروي عن ابن عباس رواية أخرى مثل ذلك . وقال آخرون : ( إن الذي في الآية إنظار المعسر في الربا , وسائر الديون في حكمه قياسا عليه ) . قال أبو بكر : لما كان قوله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } محتملا أن يكون شاملا لسائر الديون على ما بينا من وجه الاحتمال , ولتأويل من تأوله من السلف على ذلك ; إذ غير جائز أن يكونوا تأولوه على ما لا احتمال فيه , وجب حمله على العموم وأن لا يقتصر به على الربا إلا بدلالة لما فيه من تخصيص لفظ العموم من غير دلالة . فإن قيل : لما كان قوله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } غير مكتف بنفسه في إفادة الحكم وكان متضمنا لما قبله , وجب أن يكون حكمه مقصورا عليه . قيل : هو كلام مكتف بنفسه لما في فحواه من الدلالة على معناه وذلك لأن ذكر الإعسار والإنظار قد دل على دين تجب المطالبة به , والإنظار لا يكون إلا في حق قد ثبت وجوبه وصحت المطالبة به إما عاجلا وإما آجلا , فإذا كان في مضمون اللفظ دلالة على دين يتعلق به في حكم الإنظار إذا كان ذو عسرة , كان اللفظ مكتفيا بنفسه ووجب اعتباره على عمومه ولم يجب الاقتصار به على الربا دون غيره . وزعم بعض الناس ممن نصر هذا القول الذي ذكرناه أن هذا لا يجوز أن يكون في الربا , لأن الله تعالى قد أبطله , فكيف يكون منظرا به ؟ قال : فالواجب أن تكون الآية عامة في سائر الديون . وهذا الحجاج ليس بشيء ; لأن الله تعالى إنما أبطل الربا وهو الزيادة المشروطة ولم يبطل رأس المال , لأنه قال : { وذروا ما بقي من الربا } والربا هو الزيادة ثم قال : { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } ثم عقب ذلك بقوله : { وإن كان ذو عسرة } يعني سائر الديون , ورأس المال أحدها ; وإبطال ما بقي من الربا لم يبطل رأس المال , بل هو دين عليه يجب أداؤه . فإن قيل : إذا كان الإنظار مأمورا به في رأس المال , فهو وسائر الديون سواء . قيل له : إنما كلامنا فيما شمله العموم من حكم الآية , فإن كان ذلك في رأس مال الربا فلم يتناول غيره من طريق النص وإنما يتناوله من جهة العموم للمعنى , فيحتاج حينئذ إلى دلالة من غيره في إثبات حكمه ورده إلى المذكور في الآية بمعنى يجمعهما ; وليس الكلام بينك وبين الخصم من جهة القياس , وإنما اختلفتما في عموم الآية وخصوصها , والكلام في القياس ورد غير المذكور إلى المذكور مسألة أخرى .
وفي البحر الرائق 8/59 قال رحمه الله ( وإفلاس ) يعني لا يحجر عليه بسبب الإفلاس بل يحبس حتى يظهر له مال , فإن لم يظهر له مال أخرجه من الحبس وقد ذكرنا الحبس وما يحبس فيه من الديون وكيفية الحبس وقدره وبدين من يحبس , والملازمة وصفتها في كتاب القضاء , وإذا أخرجه من الحبس لا يحول بينه وبين غرمائه بعد الإخراج بل يلازمونه عند أبي حنيفة لقوله عليه الصلاة والسلام { لصاحب الحق اليد , واللسان } أراد باليد الملازمة وباللسان التقاضي ويأخذون فضل كسبه ويقسم بينهم بالحصص لاستواء حقوقهم في القوة ولو قدم البعض على البعض في القضاء جاز ; لأنه تصرف في خالص ملكه ولم يتعلق لأحد حق في ماله , وإنما حقه في ذمته فله أن يؤثر من يشاء من غرمائه ذكره في النهاية وقال أبو يوسف ومحمد إذا فلسه الحاكم حال بينه وبين غرمائه إلا أن يقيموا البينة أن له مالا لقوله تعالى { , وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } وقد ثبت عسرته فوجب انتظاره وفي الهداية قال محمد للمدعي أن يحبسه في بيته أو يتخذ حبسه وفي رواية أخرى لرب الدين أن يلزم مديونه المعسر حيث أحب , وإن كان الملزوم لا معيشة له إلا من يده لم يكن له أن يمنعه من الذهاب , والمجيء .
المدونة (طبعة دار الكتب العلمية) 4/59 كتاب المديان في حبس المديان قال سحنون : قلت : لعبد الرحمن بن القاسم : أرأيت القاضي هل يحبس في الدين في قول مالك بن أنس ؟ قال : قال مالك : لا يحبس الحر ولا العبد في الدين ولكن يستبرئ أمره , فإن اتهم أنه خبأ مالا أو غيبه , حبسه . وإن لم يجد له شيئا ولم يخبئ شيئا لم يحبسه وخلى سبيله , فإن الله تبارك وتعالى يقول : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } البقرة إلا أن يحبسه قدر ما يتلوم من اختباره ومعرفة ماله , وعليه أن يأخذ عليه حميلا . قلت : فإن عرفت له أموال قد غيبها أيحبسه السلطان أم لا ؟ قال : نعم يحبسه أبدا حتى يأتي بماله ذلك . قلت : أرأيت الدين هل يحبس فيه مالك ؟ قال : قال مالك بن أنس : إذا تبين للقاضي الإلداد من الغريم حبسه . المنتقى شرح الموطأ 5/82 ( فصل ) : وأما من ثبت فلسه , وعلم عدمه فروى ابن وهب عن مالك في كتاب ابن حبيب لا يحبس إن كان معسرا , ولا شيء له , وفي كتاب ابن المواز إن علم أنه لا شيء له فلا يحبس حر ولا عبد ووجه ذلك قول الله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } . ( مسألة ) ولا يؤاجر المفلس في دينه خلافا لابن حنبل , والدليل على ذلك قول الله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ومن جهة المعنى أن الدين إنما يتعلق بذمته دون عمله قال ابن المواز سواء كان حرا أو عبدا مأذونا له في التجارة . ( فصل ) : وأما من علم غناه أو كان ذلك ظاهر أمره ففي كتاب ابن المواز والعتبية يحبس حتى يوفي الناس حقوقهم أو يتبين أن لا شيء له فهذا لا يصرف , ولا يعجل سراحه حتى يستبرأ أمره قال : وهذا مثل التجار الذين يأخذون أموال الناس ثم يدعون ذهابها , ولا يعلم ذلك , ولا يعلم أنه سرق له شيء , ولا أحرق له منزل , ولا أصيب بشيء .
الأم (طبعة دار المعرفة) 3/208 قال الله - تبارك وتعالى - { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مطل الغني ظلم } فلم يجعل على ذي دين سبيلا في العسرة حتى تكون الميسرة , ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مطله ظلما إلا بالغنى فإذا كان معسرا فهو ليس ممن عليه سبيل إلا أن يوسر , وإذا لم يكن عليه سبيل فلا سبيل على إجارته ; لأن إجارته عمل بدنه , وإذا لم يكن على بدنه سبيل , وإنما السبيل على ماله لم يكن إلى استعماله سبيل , وكذلك لا يحبس ; لأنه لا سبيل عليه في حاله هذه .
وفي طرح التثريب 6/163 ( الثامنة ) استدل به على أن المعسر لا تجوز مطالبته حتى يوسر ولا يجوز حبسه ولا ملازمته وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور قال الله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } وحكي عن ابن شريح حبسه حتى يقضي الدين , وإن ثبت إعساره , وعن أبي حنيفة أن الحاكم لا يمنع غرماءه من ملازمته .
وفي المغني طبعة إحياء التراث العربي 5/191 مسألة ; قال : ( ومن وجب عليه حق , فذكر أنه معسر به , حبس إلى أن يأتي ببينة تشهد بعسرته ) وجملته أن من وجب عليه دين حال , فطولب به , ولم يؤده , نظر الحاكم ; فإن كان في يده مال ظاهر أمره بالقضاء , فإن ذكر أنه لغيره , فقد ذكرنا حكمه في الفصل الذي قبل هذا , وإن لم يجد له مالا ظاهرا , فادعى الإعسار , فصدقه غريمه , لم يحبس , ووجب إنظاره , ولم تجز ملازمته , لقول الله تعالى { : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لغرماء الذي كثر دينه : { خذوا ما وجدتم , وليس لكم إلا ذلك . } ولأن الحبس إما أن يكون لإثبات عسرته أو لقضاء دينه , وعسرته ثابتة , والقضاء متعذر , فلا فائدة في الحبس . وإن كذبه غريمه فلا يخلو , إما أن يكون عرف له مال أو لم يعرف , فإن عرف له مال لكون الدين ثبت عن معاوضة , كالقرض والبيع , أو عرف له أصل مال سوى هذا , فالقول قول غريمه مع يمينه . فإذا حلف أنه ذو مال , حبس حتى تشهد البينة بإعساره . قال ابن المنذر : أكثر من نحفظ عنه من علماء الأمصار وقضاتهم , يرون الحبس في الدين , منهم مالك والشافعي وأبو عبيد والنعمان وسوار وعبيد الله بن الحسن وروي عن شريح , والشعبي . وكان عمر بن عبد العزيز يقول : يقسم ماله بين الغرماء , ولا يحبس . وبه قال عبد الله بن جعفر , والليث بن سعد ولنا أن الظاهر قول الغريم , فكان القول قوله , كسائر الدعاوى . فإن شهدت البينة بتلف ماله , قبلت شهادتهم , سواء كانت من أهل الخبرة الباطنة أو لم تكن ; لأن التلف يطلع عليه أهل الخبرة وغيرهم . وإن طلب الغريم إحلافه على ذلك , لم يجب إليه ; لأن ذلك تكذيب للبينة , وإن شهدت مع ذلك بالإعسار اكتفي بشهادتها , وثبتت عسرته , وإن لم تشهد بعسرته , وإنما شهدت بالتلف لا غير , وطلب الغريم يمينه على عسره , وأنه ليس له مال آخر , استحلف على ذلك ; لأنه غير ما شهدت به البينة . وإن لم تشهد بالتلف , وإنما شهدت بالإعسار , لم تقبل الشهادة إلا من ذي خبرة باطنة , ومعرفة متقادمة لأن هذا من الأمور الباطنة , لا يطلع عليه في الغالب إلا أهل الخبرة والمخالطة . وهذا مذهب الشافعي وحكي عن مالك أنه قال : لا تسمع البينة على الإعسار ; لأنها شهادة على النفي , فلم تسمع , كالشهادة على أنه لا دين عليه . ولنا , ما روى قبيصة بن المخارق , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له { : يا قبيصة , إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة , فحلت المسألة حتى يصيبها , ثم يمسك , ورجل أصابته جائحة , فاجتاحت ماله , فحلت له المسألة , حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش , ورجل أصابته فاقة , حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه : لقد أصابت فلانا فاقة . فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال : سدادا من عيش . } رواه مسلم وأبو داود . وقولهم : إن الشهادة على النفي لا تقبل . قلنا : لا ترد مطلقا , فإنه لو شهدت البينة أن هذا وارث الميت , لا وارث له سواه قبلت , ولأن هذه وإن كانت تتضمن النفي , فهي تثبت حالة تظهر , ويوقف عليها بالمشاهدة , بخلاف ما إذا شهدت أنه لا حق له , فإن هذا مما لا يوقف عليه , ولا يشهد به حال يتوصل بها إلى معرفته به , بخلاف مسألتنا . وتسمع البينة في الحال , وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا تسمع في الحال , ويحبس شهرا , وروي ثلاثة أشهر , وروي أربعة أشهر , حتى يغلب على ظن الحاكم أنه لو كان له مال لأظهره . ولنا , أن كل بينة جاز سماعها بعد مدة , جاز سماعها في الحال , كسائر البينات , وما ذكروه لو كان صحيحا لأغنى عن البينة . فإن قال الغريم : أحلفوه لي مع يمينه أنه لا مال له , لم يستحلف في ظاهر كلام أحمد لأنه قال , في رواية إسحاق بن إبراهيم في رجل جاء بشهود على حق , فقال الغريم استحلفوه : لا يستحلف ; لأن ظاهر الحديث : " البينة على المدعي , واليمين على من أنكر " . قال القاضي : سواء شهدت البينة بتلف المال أو بالإعسار وهذا أحد قولي الشافعي ; لأنها بينة مقبولة , فلم يستحلف معها , كما لو شهدت بأن هذا عبده , أو هذه داره . ويحتمل أن يستحلف . وهذا القول الثاني للشافعي لأنه يحتمل أن له مالا خفي على البينة . ويصح عندي إلزامه اليمين على الإعسار , فيما إذا شهدت البينة بتلف المال , وسقوطها عنه فيما إذا شهدت بالإعسار , لأنها إذا شهدت بالتلف , صار كمن لم يثبت له أصل مال أو بمنزلة من أقر له غريمه بتلف ذلك المال , وادعى أن له مالا سواه , أو أنه استحدث مالا بعد تلفه . ولو لم تقم البينة , وأقر له غريمه بتلف ماله وادعى أن له مالا سواه , لزمته اليمين , فكذلك إذا قامت به البينة , فإنها لا تزيد على الإقرار . وإن كان الحق يثبت عليه في غير مقابلة مال أخذه , كأرش جناية , وقيمة متلف , ومهر أو ضمان أو كفالة , أو عوض خلع , إن كان امرأة , وإن لم يعرف له مال , حلف أنه لا مال له , وخلى سبيله , ولم يحبس . وهذا قول الشافعي وابن المنذر فإن شهدت البينة بإعساره , قبلت , ولم يستحلف معها ; لما تقدم . وإن شهدت أنه كان له مال , فتلف , لم يستغن بذلك عن يمينه ; لما ذكرناه . وكذلك لو أقر له به غريمه , وإنما اكتفينا بيمينه ; لأن الأصل عدم المال , لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحبة وسواء ابني خالد بن سواء { : لا تيئسا من الرزق ما اهتزت رءوسكما , فإن ابن آدم يخلق وليس له إلا قشرتاه , ثم يرزقه الله تعالى . } قال ابن المنذر : الحبس عقوبة , ولا نعلم له ذنبا يعاقب به . والأصل عدم ماله , بخلاف المسألة الأولى , فإن الأصل ثبوت ماله , فيحبس حتى يعلم ذهابه . والخرقي لم يفرق بين الحالين , لكنه يحمل كلامه على ما ذكرنا , لقيام الدليل على الفرق .
وفي المحلى: كتاب المداينات والتفليس مسألة : ومن ثبت للناس عليه حقوق من مال أو مما يوجب غرم مال ببينة عدل , أو بإقرار منه صحيح : بيع عليه كل ما يوجد له , وأنصف الغرماء , ولا يحل أن يسجن أصلا , إلا أن يوجد له من نوع ما عليه فينصف الناس منه بغير بيع , كمن عليه دراهم ووجدت له دراهم , أو عليه طعام ووجد له طعام , وهكذا في كل شيء لقول الله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط } . { ولتصويب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول سلمان : أعط كل ذي حق حقه } ; ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مطل الغني ظلم } . فسجنه مع القدرة على إنصاف غرمائه ظلم له ولهم معا , وحكم بما لم يوجبه الله تعالى قط , ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سجن قط - : روينا من طريق أبي عبيد القاسم بن سلام نا أحمد بن خالد الوهبي عن محمد بن إسحاق عن محمد بن علي بن الحسين قال : قال علي بن أبي طالب : حبس الرجل في السجن بعد ما يعرف ما عليه من الدين ظلم . وقال الحنفيون : لا يباع شيء من ماله , لكن يسجن - وإن كان ماله حاضرا - حتى يكون هو الذي ينصف من نفسه . ثم تناقضوا فقالوا : إلا إن كان الدين دراهم فتوجد له دنانير , أو يكون الدين دنانير فتوجد له دراهم , فإن الذي يوجد من ذلك يباع فيما عليه منها . فليت شعري ما الفرق بين بيع الدنانير وابتياع دراهم , وبين بيع العروض وابتياع ما عليه ؟ وإنما أوجب الله تعالى علينا , وعلى كل أحد إنصاف ذي الحق من أنفسنا , ومن غيرنا . ومنع تعالى من السجن بقوله تعالى : { فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه } وافترض حضور الجمعة والجماعات . فمنعوا المدين من حضور الصلوات في الجماعة , ومن حضور الجمعة , ومن المشي في مناكب الأرض ومنعوا صاحب الحق من تعجيل إنصافه - وهم قادرون على ذلك - فظلموا الفريقين . واحتجوا بآثار واهية - : منها : رواية من طريق أبي بكر بن عياش عن أنس : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة } . ومن طريق عبد الرزاق عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة } . ومن طريق أبي مجلز : { أن غلامين من جهينة كان بينهما غلام فأعتقه أحدهما فحبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى باع غنيمته } وعن الحسن : { أن قوما اقتتلوا فقتل بينهم قتيل فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسهم } . قال أبو محمد : كل هذا باطل , أما حديث أنس ففيه أبو بكر بن عياش وهو ضعيف وانفرد عنه أيضا إبراهيم بن زكريا الواسطي ولا يدرى من هو , وحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ضعيف . ومن هذه الطريق بعينها فيمن منع الزكاة : { إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا } فإن احتجوا به في الحبس في التهمة فليأخذوا بروايته هذه وإلا فالقوم متلاعبون بالدين . فإن قالوا : هذا منسوخ ؟ قيل لهم : أترون خصمكم يعجز عن أن يقول لكم : والحبس في التهمة منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } ؟ والحبس في غير التهمة منسوخ بوجوب حضور الجمعة , والجماعات وحديث الحبس حتى باع غنيمته مرسل ولا حجة في مرسل . ولو صح لما كان لهم فيه حجة ; لأنه قد يخاف عليه الهرب بغنيمته فحبس ليبيعها , وهذا حق لا ننكره وليس فيه الحبس الذي يرون هم , ولا أنه امتنع من بيعها . وقد يكون الضمير الذي في باعها راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد يكون هذا الحبس إمساكا في المدينة . وليس فيه أصلا أنه حبس في سجن - فلا حجة لهم فيه أصلا , وحديث الحسن مرسل . وأيضا : فإنما هو حبس في قتيل , وحاشا لله أن يكون عليه السلام يحبس من لم يصح عليه قتل بسجن فيسجن البريء مع النطف , هذا فعل أهل الظلم والعدوان , لا فعله عليه السلام , والله لقد قتل عبد الله بن سهل رضوان الله عليه وهو من أفاضل الصحابة رضي الله عنهم فيما بين أظهر شر الأمة وهم اليهود لعنهم الله فما استجاز عليه السلام سجنهم , فكيف أن يسجن في تهمة قوما من المسلمين ؟ فهذا الباطل الذي لا شك فيه . ثم ليت شعري إلى متى يكون هذا الحبس في التهمة بالدم وغيره ؟ فإن حدوا حدا زادوا في التحكم بالباطل . وإن قالوا : إلى الأبد , تركوا قولهم , فهم أبدا يتكسعون في ظلمة الخطأ . واحتجوا أيضا بقول الله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } هذه أحكام منسوخة . فمن أضل ممن يستشهد بآية قد نسخت , وبطل حكمها فيما لم ينزل فيه أيضا , وفيما ليس فيها منه لا نص ولا دليل ولا أثر . والحق في هذا هو قولنا - : كما روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا قتيبة بن سعيد نا الليث هو ابن سعد - عن بكير بن الأشج عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال : { أصيب رجل في ثمار ابتاعها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكثر دينه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه ؟ فتصدق الناس عليه , فلم يبلغ ذلك وفاء دينه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك } . فهذا نص جلي على أن ليس لهم شيء غير ما وجدوا له , وأنه ليس لهم حبسه , وأن ما وجد من ماله للغرماء , وهذا هو الحق الذي لا يحل سواه ; فإن قيل : روي أنه عليه السلام باع لهم مال معاذ ؟ قلنا : هكذا نقول - وإن لم يصح من طريق السند ; لأنه مرسل , لكن الحكم أنه إنما يقضي لهم بعين ماله , ثم يباع لهم ويقسم عليهم الحصص ; لأنه لا سبيل إلى إنصافهم بغير هذا . فإن موهوا بما روي عن عمر , وعلي , وشريح , والشعبي , فإن الرواية عن عمر إنما هي من طريق سعيد بن المسيب أن عمر حبس عصبة منفوس ينفقون عليه الرجال دون النساء - وأن نافع بن عبد الحارث اشترى دارا للسجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف فإن لم يرض عمر فلصفوان أربعمائة . وهذان خبران لا حجة لهم فيها ; لأن حبس عمر للعصبة للنفقة على الصبي إنما هو إمساك وحكم وقصر , لا سجن ; لأن من الباطل أن يسجنهم أبدا ولم يذكر عنهم امتناع . ثم هم لا يقولون بإيجاب النفقة على العصبة , فقد خالفوا عمر , فكيف يحتجون به في شيء هم أول مخالف له ؟ وأما الخبر الثاني : فكلهم لا يراه بيعا صحيحا , بل فاسدا مفسوخا , فكيف يستجيز مسلم أن يحتج بحكم يراه باطلا ؟ والمحفوظ عن عمر مثل قولنا على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى , والرواية عن علي أنه حبس في دين : هي من طريق جابر الجعفي وهو كذاب . وقد روينا عن علي خلاف هذا كما ذكرنا ونذكر . وأما شريح , والشعبي , فما علمنا حكمهما حجة , وأقرب ذلك أنهما قد ثبت عنهما أن الأجير , والمستأجر - كل واحد منهما يفسخ الإجارة إذا شاء , وإن كره الآخر , وهم كلهم مخالف لهذا الحكم , فالشعبي , وشريح حجة إذا اشتهوا , وليسا حجة إذا اشتهوا , أف لهذه العقول , والأديان , وقد ذكرنا قبل عن علي إنكار السجن . وقد روينا عن عمر ما روينا من طريق مالك عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف عن أبيه أن رجلا من جهينة كان يشتري الرواحل إلى أجل فيغالي بها فأفلس , فرفع إلى عمر بن الخطاب ؟ قال : أما بعد أيها الناس , فإن الأسفع أسفع بني جهينة رضي من دينه وأمانته بأن يقال : سبق الحاج , وأنه ادان معرضا , فأصبح قد دين به , فمن كان له عليه شيء فليفد بالغداة ؟ فإنا قاسمون ماله بالحصص - ورويناه أيضا من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر . ومن طريق أبي عبيد نا ابن أبي زائدة عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير قال : كان علي بن أبي طالب إذا أتاه رجل برجل له عليه دين فقال : أحبسه ؟ قال له علي : أله مال ؟ فإن قال : نعم , قد لجأه مال ؟ قال : أقم البينة على أنه لجأه وإلا أحلفناه بالله ما لجأه . ومن طريق أبي عبيد نا أحمد بن عثمان عن عبد الله بن المبارك عن محمد بن سليم عن غالب القطان عن أبي المهزم عن أبي هريرة : أن رجلا أتاه بآخر فقال له إن لي على هذا دينا ؟ فقال للآخر : ما تقول ؟ قال : صدق ؟ قال : فاقضه قال : إني معسر , فقال للآخر : ما تريد ؟ قال : أحبسه ؟ قال أبو هريرة : لا , ولكن يطلب لك ولنفسه ولعياله - قال غالب القطان : وشهدت الحسن - وهو على القضاء - قضى بمثل ذلك . ومن طريق ابن أبي شيبة عن زيد بن حباب , وعبيد الله كلاهما عن أبي هلال عن غالب القطان عن أبي المهزم عن أبي هريرة فذكره كما أوردناه - وزاد فيه أن أبا هريرة قال لصاحب الدين : هل تعلم له عين مال فآخذه به ؟ قال : لا , قال : هل تعلم له عقارا أكسره ؟ قال : لا , ثم ذكر امتناعه من أن يحبسه كما أوردناه . وعن عمر بن عبد العزيز أنه قضى في ذلك بأن يقسم ماله بين الغرماء ثم يترك حتى يرزقه الله . ونا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا أبو عامر العقدي عن عمرو بن ميمون بن مهران : أن عمر بن عبد العزيز كان يؤاجر المفلس في شر صنعة . قال أبو محمد : أمر الله تعالى بالقيام بالقسط , ونهى عن المطل والسجن , فالسجن مطل وظلم , ومنع الذي له الحق من تعجيل حقه مطل وظلم , ثم ترك من صح إفلاسه لا يؤاجر لغرمائه مطل وظلم فلا يجوز شيء من ذلك , وهو مفترض عليه إنصاف غرمائه وإعطاؤهم حقهم , فإن امتنع من ذلك وهو قادر عليه بالإجارة ؟ أجبر على ذلك - وبالله تعالى التوفيق . ومن طريق أبي عبيد حدثني يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر في المفلس قال : لا يحبسه , ولكن يرسله يسعى في دينه . وهو قول الليث بن سعد - وبه يقول أبو سليمان , وأصحابه - وبالله تعالى التوفيق . 1277 - مسألة : فإن لم يوجد له مال , فإن كانت الحقوق من بيع أو قرض ؟ ألزم الغرم وسجن حتى يثبت العدم , ولا يمنع من الخروج في طلب شهود له بذلك , ولا يمنع خصمه من لزومه والمشي معه حيث مشى , أو وكيله على المشي معه , فإن أثبت عدمه سرح بعد أن يحلفه : ما له مال باطن , ومنع خصمه من لزومه , وأوجر لخصومه , ومتى ظهر له مال أنصف منه . فإن كانت الحقوق من نفقات , أو صداق , أو ضمان , أو جناية , فالقول قوله مع يمينه في أنه عديم , ولا سبيل إليه , حتى يثبت خصمه أن له مالا , لكن يؤاجر كما قدمنا . وإن صح أن له مالا غيبه أدب وضرب حتى يحضره أو يموت , لقول الله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } . ولما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : قال أبو سعيد الخدري , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } . ومن طريق مسلم نا أحمد بن عيسى نا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج أن سليمان بن يسار حدثهم قال : حدثني عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه عن أبي بردة الأنصاري : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله } . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر باليد , ومن المنكر مطل الغني , فمن صح غناه ومنع خصمه فقد أتى منكرا وظلما , وكل ظلم منكر , فواجب على الحاكم تغييره باليد , ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يجلد أحد في غير حد أكثر من عشرة أسواط ; فواجب أن يضرب عشرة ; فإن أنصف فلا سبيل إليه , وإن تمادى على المطل فقد أحدث منكرا آخر غير الذي ضرب عليه فيضرب أيضا عشرة , وهكذا أبدا حتى ينصف , ويترك الظلم , أو يقتله الحق وأمر الله تعالى . وأما التفريق بين وجوه الحقوق : فإن من كان أصل الحق عليه من دين أو بيع فقد صح أنه قد ملك مالا , ومن صح أنه قد ملك مالا فواجب أن ينصف من ذلك المال حتى يصح أن ذلك المال قد تلف - وهو في تلفه مدعي - وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبينة على المدعي . ومن كان أصل الحق عليه من ضمان , أو جناية , أو صداق , أو نفقة , فاليقين الذي لا شك فيه عند أحد : هو أن كل أحد ولد عريان لا شيء له , فالناس كلهم قد صح لهم الفقر , فهم على ما صح منهم حتى يصح أنهم كسبوا مالا وهو في أنه قد كسب مالا مدعى عليه , وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين على المدعى عليه وهذا قول أبي سليمان , ومحمد بن شجاع البلخي , وغيرهما . وخالف في هذا بعض المتعسفين فقال : قال الله تعالى : { خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم } فصح أن الله تعالى رزق الجميع . قال أبو محمد : لم نخالفه في الرزق , بل الرزق متيقن , وأوله لبن التي أرضعته , فلولا رزق الله تعالى ما عاش أحد يوما فما فوقه , وليس من كل الرزق ينصف الغرماء , وإنما ينصفون من فضول الرزق وهي التي لا يصح أن الله تعالى آتاها الإنسان إلا ببينة . وأما المؤاجرة : فلما ذكرنا قبل في المسألة المتقدمة لهذه وبالله تعالى التوفيق . 1278 - مسألة : فإن قيل : إن قول الله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } يمنع من استئجاره ؟ قلنا : بل يوجب استئجاره ; لأن الميسرة لا تكون إلا بأحد وجهين - : إما بسعي , وإما بلا سعي ; وقد قال تعالى : { وابتغوا من فضل الله } فنحن نجبره على ابتغاء فضل الله تعالى الذي أمره تعالى بابتغائه , فنأمره ونلزمه التكسب لينصف غرماءه ويقوم بعياله ونفسه , ولا ندعه يضيع نفسه وعياله والحق اللازم له .
وإذا أردت الاستزادة فعليك أيضا بمراجعة كتب التفسير عند تفسير قوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة
| |
|