منذ بروز أزمة الرهن العقاري الأمريكية وشركاتنا العقارية العربية تنفي تأثرها بالأزمة وتؤكد على استمرار مشاريعها، إلا انه خلال الأسابيع الماضية أعلنت عدد منها عن تسريح عدد كبير من موظفيها وتأجيل بعض مشروعاتها كاعتراف متأخر بالتأثر بالأزمة، وليتحول هؤلاء الموظفين إلى عاطلين بسبب المغامرات غير المحسوبة من رؤساء تلك الشركات التي أدخلت بالمنطقة العربية مفهوما جديدا بالمشاريع العقارية الموجهة لشريحة معينة من مجتمعاتنا، لتتداول وحداتها بعشرات الملايين بدون أسس استثمارية تبرر تلك الأسعار! فنحن ندفع لشراء شقة او شاليه خارج مدينة خليجية او افريقية أضعاف ما ندفعه بلندن او باريس! وعند تتبع تلك الاستثمارات المنتشرة عربيا سنجد أن أمامنا مشكلة اكبر من مشكلة التأثر بالأزمة العالمية، فقد نواجه أزمة رهن جديدة بسبب تجاوزات من تلك الشركات!
فالمخاوف حاليا أن يكون هناك توسع وتجاوز في الرهن العقاري أكثر مما تم بأمريكا، فأرض المشروع يتم شراؤها بمبالغ مقترضه من بنوك برهن الأرض، وبعد تصميم المشروع او البرج يتم الحصول على القروض للبناء وتسوق الوحدات على المخططات ويتم إبرام عقود البيع وقبض الدفعة المقدمة من قبل مستثمرين حصلوا على المال بعد رهن الشقة او الفله بهدف إعادة بيعها على الغير والمشروع لم يتم البدء فيه! كما أن هناك عقارية بإمكانيات محدودة دخلت الميدان، فخفضت أسعار وحداتها لجذب المستثمرين الذين دفعوا مبالغ والتزموا بدفعات مجدولة زمنيا وليس حسب انجاز المشروع، مما سيتسبب في مشاكل كبرى بعد تأخرها في إنشاء المشروع بسبب ارتفاع التكلفة العام الماضي وتشدد البنوك في الإقراض حاليا، والأخطر أيضا هو قيام شركات برهن كامل أحد مشاريعها لشراء أرض في دولة أخرى! أي لدينا عدة رهونات عقارية متداخله لمشاريع مازالت على الورق! بل إن البعض باع شيكات مؤجلة الدفع للحصول على النقد والمحفز لكل ذلك هو إمكانية تحقيق أرباح خيالية سريعة بسبب "التمتع بالحرية" فالشقق الصغيرة تباع ب (3 او 4 ) ملايين والفلل بأكثر من ( 51) مليونا (هذا خلاف شقق تم بيعها بمبالغ تجاوزت ال(02) مليونا! ولذلك من الطبيعي مع هذه الأزمة ان تظهر مشكلة أمام من حصل على قرض بنكي خاصة وأن الأثرياء بالعالم متضررون منها! أي نحن – كعرب - بالغنا في استخدام الرهن العقاري للحصول على الربح وبما لايتفق مع أساسيات الاستثمار الحقيقي!
إن زيادة تلك المشاريع عن الحدود المقبولة في كل دولة تسبب في تأزم مشكلة الإسكان وارتفاع أسعار الإيجارات والعقارات الى مستويات خيالية بتلك الدول وبعكس ما اعتقد مسئولوها من أنها ستساهم في حل مشكلة السكن ، فقد تحولت تلك المشاريع من المجال الاستثماري الى المضاربي وربما لمجال آخر!! فعندما لا تقوم تلك المشاريع على أسس استثمارية، فانه لابد أن يأتي اليوم الذي تصحح به الأوضاع! فالواضح حتى الآن أن تلك الشركات عندما أكدت على عدم التأثر بالأزمة أغفلت الأسباب التي تسببت في حدوثها بأمريكا وتلك نظرة سطحية! فليس التأثر ينحصر بامتلاك عقارات او رهونات أمريكية انهارت قيمتها، ولكن الأزمة في حقيقتها تتمثل في التوسع بالمبدأ الذي سارت عليه شركاتنا العقارية في إقامة مشاريعها الكبرى ببعض المدن بالخليج ومصر وغيرها والتي كان التمويل البنكي هو الأساس الذي قامت عليه تلك المشاريع والتملك بها وبمبالغ تجاوزت عشرات المليارات! فمسئولو تلك الشركات انجرفوا مع التيار باعتباره الأسلوب الأمثل في إقامة تلك المشاريع لكونه المتبع في امريكا! ومشكلة تلك المشاريع أنها مشاريع ضخمة وأبراج عالية مقامة في عدة مدن وكل شركة تتعامل مع بنوك بدول متعددة وبأنظمة مختلفة، ولذلك فانه إذا كنا قد تأثرنا بخلل حدث بامريكا فنحن بالتأكيد سنتأثر بأي خلل يحدث بأحد البنوك او الشركات في أي دولة عربية لان مشاريعنا منتشرة بها ومملوكة من مواطنينا وسيكون تأثرنا بالأزمة ذا تأثير مضاعف! وإذا كنا بالأزمة الحالية نجد انخفاضا كبيرا بأسعار الأسهم عن مستوياتها العادلة استثماريا، فأننا نخشى أن نكتشف أننا أمام مرحلة تصحيحية لقيم تلك المشاريع التي تتداول بقيم تفوق المستويات العادلة استثماريا وسنرى حالات بعجز بعض المستثمرين بما فيهم الأجانب من سداد قيمة ما التزموا بسداده او ان أسعارها انخفضت وأصبحت مصلحة المستثمر تستوجب عدم الاستمرار في السداد! ولعل تأخر المملكة في إقرار الرهن العقاري قد يجنبنا جانبا كبيرا من أزمة أصبحت مؤشراتها تلوح بالأفق ، فمنذ عام ونحن نسمع بمشاريع ضخمة ستقام بمدننا مشابهة لتلك المشاريع وبالتأكيد التمويل البنكي جزء رئيسي بها، وربما الأزمة المالية فرضت تقييم المخاطر قبل البدء بالمشاريع، وكما شاهدنا فالأزمة لا يقتصر ضررها على شركات محددة او دول معينة، مما يستوجب ان تتدخل الحكومات لبحث واقع الشركات العقارية والبنوك العربية قبل حدوث أزمة بها، ولا يتم ذلك إلا بمكاشفة واضحة بين الشركات والبنوك والمسئولين عن تلك الاستثمارات لتحديد نقاط الضعف المحتملة! فأي مشكلة تتعلق بالرهن العقاري او التمويل ستؤثر على الاستثمارات بالدول العربية حتى ممن ليست لها علاقة بالرهن العقاري!