هل تختلف دلالة المصدر الميمي عن دلالة المصدر الصريح؟
كاتب الموضوع
رسالة
Admin Big Boss
عدد الرسائل : 2011 العمر : 47 الموقع : https://aleraqi.alafdal.net العمل/الترفيه : الرئيس العام لمجموعة منتديات عائلة العراقي المزاج : توكلت علي الله في عملي ورزقي مزاجي : رقم العضوية : رئيس المنتدي تاريخ التسجيل : 07/08/2008
موضوع: هل تختلف دلالة المصدر الميمي عن دلالة المصدر الصريح؟ الجمعة يونيو 18, 2010 3:54 am
وهذا أحد المباحث التي تناولتها في دراستي الموسومة بالمصدر الميمي في القرآن الكريم دراسة صرفية دلالية: وآسف على عدم ظهور الحواشي والتعليقات في أسفل كل صفحة هل تختلف دلالة المصدر الميمي عن دلالة المصدر الصريح؟وباستقراء آراء العلماء نرى أن سيبويه لا يرى فرقاً في الدلالة بينهما، حيث يقول: فإذا أردت المصدر بنيته على مفعل، وذلك قولك: إن في ألف درهم لمضربا، أي لضربا، قال عز وجل: يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ" يريد أين الفرار وبقي هذا الرأي يلازم علماء اللغة القدماء، فصاحب الكشاف لا يلتفت إلى أي فروق دلالية ببينهما، حيث يقول:
قال تعالى: وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ( )، المغرم: غرامة وخسران( ). وبعد ذلك ظهرت بذور للتفريق بينه وبين المصدر من خلال وضعه تحت باب اسم المصدر لكن دون تفريق بينه وبين المصدر، وهذه الظاهرة عرضنا لها في الفصل الأول من حيث أبرز من نادى بهذه القضية وتحدثوا عن أن المصدر ما دل على الحديث ونقصت حروف فعله لفظاً وتقديراً دون تعويض( )، وهذه الطائفة لم تتنبه إلى قضية الفروق الدلالية بين المصدر الميمي والمصدر الصريح. ولكن علماء التفسير أحسوا أن هناك فروقاً في المعنى بينهما، فهذا الراغب الأصفهاني يميّز بين التوبة والمتاب، حيث ذكر أن المتاب يعني التوبة التامة وهو الجمع بين ترك القبيح وتحري الجميل، قال تعالى: قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ( ). فكأنه أراد الغاية في التوبة أو منتهاها( ). ومن المحدثين تحدّث عباس حسن عن دلالته، وقال: "وتؤدي ما يؤديه هذا المصدر الأصلي على معنى المجرد ومن العمل، لكنها تفوقه في قوة الدلالة وتأكيدها"( ). فهذا الحديث يعتبر أول حديث عن فروق دلالية بين المصدر الصريح والمصدر الميمي، ولعلّ هذا الكلام لا يظهر فرقاً جوهرياً بينهما، فهو يرى أن لا فرق دلالي بينهما وإنما القضية تكمن في قوة الدلالة وتأكيدها. وبعد ذلك برزت آراء جديدة عند الباحث العراقي فاضل السامرائي وكانت هذه الآراء محل خلاف بين العلماء. حيث يقول: إن المصدر الميمي في الغالب يحمل عنصر الذات بخلاف غير الميمي فإنه مجرد من كل شيء، فقوله تعالى: وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ( ). لا يطابق إليّ الصيرورة، فإن المصير يحمل معه عنصراً مادياً، وأن كلمة المنقلب في قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ( ) لا تطابق الانقلاب في المعنى، فالانقلاب حدث مجرد، والمنقلب يحمل معه ذاتا، والمساق في قوله تعالى: إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ( ) يختلف عن قولنا: إليه السوق، فإن المساق معه ذاتا تساق بخلاف السوق الذي يدل على فعل السوق مجرداً، وكذلك المحيى والحياة والموت والممات والنوم والمنام، فالمصدر غير الميمي غير ملتبس بشيء آخر، أما المصدر الميمي فإنه متلبس بذات في الغالب( ). فهذا أول اختلاف يورده عالم، حيث يتحدث عن أن للمصدر الميمي في حالة التركيب يحمل معه عنصر الذات، أي أنه ملتبس بشيء يحمله معه وغالبا ما يكون عَلماً. ولكنّ آخرين لا يروقهم هذا الحديث، حيث يرد على السامرائي بقوله: "أنا لا أوافق قول السامرائي لأنني بينت أن المصدر يدل على معنى الحديث والزمن المطلق إذا كان منفرداً"(5) وأنا أرى ما ذهب إليه هذا الباحث في هذا الموضوع من أن كلا المصدرين لا فرق بينهما في حالة الإفراد ليس بعيدا عن الصحة بغض النظر عن قوة الدلالة. وأما إذا دخل في حيز التركيب "فإنه يدل على زمن معين مثلما يدل الذات، فالمصدر الميمي لا يحمل عنصر الذات، وأن المصدر الأصلي لا يحمل ذلك؛ لأنه لا يوجد فرق بين المصير والصيرورة، وبين المنقلب والانقلاب، وبين المساق والسوق من ناحية الذات، لأن كليهما لا يحمل ذاتاً ولكن رائحة الذات تفوح عندما دخل في الجملة من ناحيتين: 1. إن المصدر يضاف إلى فاعل أو مفعول، فهو يكسب الذات من الإضافة وإما يكون منوناً فيكون الفاعل أو المفعول محذوفاً ويكسب الذات منهما أيضاً، وأما إذا كان محلى فهو يكسب الذات من التعريف. 2. إن المصدر الميمي يحتمل أن يكون ظرفي زمان ومكان غالباً، فهو يدل على الذات منها، فالأمثلة التي قدمها فهي تحتمل أن تكون ظرف مكان والظرف المكاني يدل على الذات"( ). وأن موطن الخلاف بينهما يكمن في حالة التركيب، إذ إن السامرائي يرى أن المصدر الميمي يحمل معه عنصر الذات، بينما يرفض عبد اللطيف ذلك بحجة أنه اكتسبها من الفاعل أو المفعول أو الظرف وغيرها، ولكنني أقول أن المصدر الميمي يكتسب الذات مما حوله، وهذه ميزة تميزه عن غيره، ولذلك لا تعارض بين الرأيين السابقين، فالسامرائي يتحدث عن عنصر الذات في المصدر الميمي وعبد اللطيف يتحدث عن كيفية حصوله على عنصر الذات. أما القضية الأخرى التي يتحدث عنها السامرائي هي أن المصدر الميمي يحمل في طياته فروقات لا يحمله غيره من المصادر، حيث يقول: فإن المصير مثلاً يعني نهاية الأمر بخلاف الصيرورة، قال تعالى: ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ( )، وقال تعالى: قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ( )، أي منتهى أمركم، وتقول: مصير الخشب رماد، أي نهاية أمره، ولا تقول: صيرورة الخشب رماد للمعنى نفسه.(1) ويعارض ذلك عبد اللطيف بقوله: أنا أخالفه أيضاً هنا، وأقول إن المصدر الميمي لا يدل على نهاية الأمر وإنما يفهم ذلك من أمرين: أحدهما: من السياق أي (إلى) و(إلى النار) لأن إلى تدل على انتهاء الغاية لا المصدر. ثانيهما: أنه يحتمل أن يكون ظرف زمان، فلننظر إلى الآيتين: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا((2))، وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَـا إِيَّاهُ((3))((4)). ولكنني أرى أن التغيرات التي يتحدث عنها السامرائي غير ثابتة؛ أي أنها تظهر في بعض الألفاظ ولا تظهر في غيرها، وإلى ذلك ذهب باحث آخر حيث يقول: إن زيادة الميم في (مفعل) لا يحدد معناها إلا من خلال السياق فهو المعول عليه في كل استعمال لهذه الصيغ"(5). ومن هذا فإنني أرى أن ما ذهب إليه السامرائي صحيحا وأما رأي عبد اللطيف، فإنه غير واقعي، حيث رأى أن نهاية الأمر استمدت من حرف الجر إلى، ولو نظر إلى المثال الذي ذكره السامرائي، فإن هذا الحرف ليس من المكونات الظاهرة في هذه الجملة، فإننا عندما نقول "مصير الخشب رمادٌ" فإنها جملة تامة المعنى، وتختلف عن قولنا "صيرورة الخشب رماد" فإننا يمكننا أن نكمل الجملة بقولنا: "صيرورة الخشب رمادا أمر حتمي" بالإضافة إلى ما ذكره السامرائي أن الجملة الأولى تدل على نهاية الأمر والثانية لا تدل عليها. أما الرأي الثاني لعبد اللطيف والذي يرى أن المصدر الميمي يحتمل أن يكون ظرف زمان، فهذا ليس دائماً بل من أقل الحالات اشتراكاً. والموضوع الآخر الذي يتحدث عنه السامرائي يخص الاستعمال، حيث يقول ومن الملاحظ أن العرب لا تتوسع في استعمال المصادر الميمية ما تتوسعه في المصادر الأخرى، فإنها -أي العرب- لا توقع المصدر الميمي حالا في الغالب، فهي تقول جاء سعياً ولا تقول جاء مسعى، وتقول جاء طوعاً ولا تقول جاء مطاعاً، فإنها تفرق بينها في الاستعمال( ). ويتحدث السامرائي عن فروق في الاستعمال أيضاً، حيث يقول: وكذلك يبدو هذا الأمر في المفعول له، فإن الكثير فيه أن لا يكون ميمياً، تقول: فعلت هذا رأفة بك ولا نقول مرأفة بك، وتقول: "قتله خشية الوشاية ولا نقول مخشى الوشاية عليه وليسا متطابقين –والله أعلم-"( ). ويؤكد على ذلك عبد اللطيف، حيث يقول: "يتراءى لي أن العلة الأخيرة ليست بعيدة عن الصحة... كما أنه لم يقع تمييزاً"( ). ويذهب عبداللطيف إلى اختلاف آخر بينهما، حيث يقول إن المصدر الميمي مصدر مبدوء بميم زائدة يدل على ما تدل عليه المصادر الأخرى مع اختلاف يسير يمكن توضيحه من خلال الآية الكريمة في قوله: ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ( )، أي القدر المحدد لهم من العلم، ونرى هذا بخلاف قولنا مصدر بلوغ، فهو حدث يتصف بالإطلاق، بينما المصدر الميمي مقيد بشيء ما( ). وهذا اختلاف آخر يتحدث عنه عبد اللطيف يتعلق بأثر الميم على المصدر الميمي في حالة الاستعمال، وهي من قضايا الدرس الحديث والأسلوب، كما يرى مصطفى النحاس، حيث يقول: "وهذا التنويع في الصيغ والتداخل بين المباني، واختيار الكلمات، حسب ما يقتضيه الموقف اللغوي، من صميم علم الأسلوب أو البلاغة بمفهومها الحديث"( ). ويرى النحاس أيضاً أن المصدر الميمي في القرآن الكريم يستخدم في سياق الحديث عن أهل الجنة وأهل النار، كقوله وأصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، أهل المغفرة( ). وهذا الرأي ليس مطلقاً فهو يستعمل في هذه المواطن كثيراً وفي غيرها أيضاً، ويرى النحاس أن السياق القرآني يراوح بين المصادر في الموقف الواحد فيستخدم المصدر الأصلي والمصدر الميمي كما في قوله تعالى: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ( )، وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ( )، وقوله تعالى: وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ( )، وقول تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ( )، وقوله تعالى: وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ( ). ويرى إسماعيل عمايرة أن إدخال الميم على المصدر الميمي، هو تطوير في بناء المصادر في اللغات السامية، فاللغة الآرامية مثلاً جعلت من مصدر الفعل المتعدي بالهمزة مبدوءاً كأغلب المصادر في هذه اللغة بالميم، كما أن الميم التي عولت عليها السريانية في بناء المصدر لم تعول عليها اللغة العربية إلا في بناء نوع من المصادر وهو المصدر الميمي( ). ويرى عمايرة أن سبب الاعتماد على الصوامت بدل الصوائت هو التنوع الشكلي للمصادر، وهو أن الاعتماد على الصوائت يبقي الصياغتين قريبتين من اللبس والاختلاط، فالصوامت أثبت من الصوائت في الفرق بين الفعل والمصدر( ). كما يرى العمايرة أن تعدد أشكال المصادر بالحركات والحروف يرجع إلى أن اللغة استثمرت أشكال المصادر المتنوعة لتوظيفها معنوياً، والأمر متروك للسياق في تحديد الفرق بينها، بمعنى أن المصدر قد اكتسب خصوصيات معينة تتجاوز مجرد الدلالة على الحدث"( ). وهذه الآراء تتحدث في مجملها عن التنوع في المصادر في اللغات، وتذكر أن إدخال الميم على المصادر ليس مقتصراً على اللغة العربية وحدها، بل إن هذه الظاهرة موجودة في كثير من اللغات السامية. وهي جميعها تؤكد أن المصدر الميمي له دلالة خاصة وليست متطابقة تماماً مع المصدر الصريح مثلما رأينا، وفي نهاية هذا المبحث يمكننا أن نقول إن: 1. المصدر الميمي قد اكتسب دلالة مستقلة تجاوزت مجرد الدلالة على الحدث -وإن دلت عليه-. 2. الدلالة التي أضافتها الميم لهذا المصدر لا تحدد إلا وفق السياق، فهي متغيرة وتحمل فروقات بين الصيغة والأخرى. 3. المصدر الميمي يختلف عن المصدر الصريح من جهة استعمال العرب له، فلم توقعه حالاً ولا مفعولاً لأجله ولا تمييزاً. 4. دراسة الفروق الدلالية للمصدر الميمي عن المصدر الصريح لهي من صميم علم الأسلوب والبلاغة -مثلما يرى مصطفى النحاس-. __________________
لا تنبت السنابل حتى تهلك البذور
هل تختلف دلالة المصدر الميمي عن دلالة المصدر الصريح؟