من اعيان مكة المكرمة الشريف عبدالله بن ابراهيم عراقي
كاتب الموضوع
رسالة
Admin Big Boss
عدد الرسائل : 2011 العمر : 47 الموقع : https://aleraqi.alafdal.net العمل/الترفيه : الرئيس العام لمجموعة منتديات عائلة العراقي المزاج : توكلت علي الله في عملي ورزقي مزاجي : رقم العضوية : رئيس المنتدي تاريخ التسجيل : 07/08/2008
موضوع: من اعيان مكة المكرمة الشريف عبدالله بن ابراهيم عراقي الخميس يونيو 17, 2010 9:10 pm
محدثكم ليس بكاتب أو مؤرخ أو صاحب يراع له باع وطول في الثقافة والأدب, وهذه ليست سيرة ذاتية للشخصية التي أريد أن أتحدث عنها , فلا سني ولا ثقافتي ومعرفتي وعلمي تؤهلني لأكتب عنه خصوصا أنني أبصرته وهو في السنين الأخيرة من عمره..عشت في كنفه أتتلمذ على يديه..أتعلم منه ..من أقواله وأفعاله وسلوكه وتعامله مع الآخرين.. إنني لأعجز أن أكتب شيئا يستحق الذكر عن شخصية جدنا "الشريف عبد الله عراقي "المتعددة الجوانب لأنها في الواقع أكبر وأجل من أن يحيط بها جهد متواضع محدود أقوم به بواقع الوفاء لهذا الرجل العظيم الذي غرس في نفسي حب القراءة والكتابة حينما كان يطلب مني أن أقرأ له ما كتب في الصحف والمجلات من أخبار متنوعة وعندما طلب من والدي حفظه الله ضرورة أن ألتحق بالدروس الخصوصية للقراءة والنحو والصرف التي تقام ضمن حلقات الدروس في المسجد الحرام ولقد اخترت الكتابه عن هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات لعدة أسباب أهمها: 1- شهر رمضان المبارك أعظم الشهور وأبركها عند الله وهو شهر القرآن لذا أرجوا من المحبين الأحفاد المطلعين على هذا الموضوع أن يترحموا على جدنا العظيم ويقرأوا على روحه الفاتحه في شهر الرحمة والمغفرة والرضوان. 2- أنه رحمة الله عليه أكرمه رب العزة والجلال بمنيّّّته في هذا الشهر , شهر الخير والبركة والغفران. 3- أن الذهن بحكم الصيام يكون صافيا لا تعتريه أي شائبة فيستطيع أن يسترجع الذكريات القديمة بقدر ما يستطيع.
وكما قلت آنفا هذه فقط نقاط عابرة ولمسات بسيطة واستعراض خفيف لحياة والدي وجدي في نفس الوقت اكتسبتها من خلال ملاحظاتي ومعايشاتي له من خلال مواقفه المتعددة وأقواله الكثيرة بداية مع عائلته الكبيرة التي تتكون من أكثر من أربعة عشر فردا من بنين وبنات حصيلة ثلاث زوجات لم يعرف التميز بينهم الى يومنا هذا لم نعرف أن هذا أمه هذه وهذا شقيق هذا انما نعرف أن الكل هم ذرية الشريف عبد الله بن إبراهيم بن محمد عراقي . ان مفتاح شخصية عبد الله عراقي وان جردته من كل الألقاب والمسميات لأنني أعتبر نفسي جزءا منه.. جزءا من روحه الطاهرة العظيمة وأخلاقه السامية .. ألم يكن بعض أصحابه وزملائه في العمل في مجلس الشورى الذي كان عضوا به وهو المنصب الأخير الذي عرفت به جدي عندما أبصرت المعرفة , كان بعضهم يسألونه : "يا شيخ عبد الله هل هذا آخر العنقود؟" وهذا شرف عظيم وكبير لي.. أقول أن مفتاح شخصيته رحمة الله عليه هو "الوفاء" وهذه الكلمة عظيمة في معناها .. كبيرة في مضمونها.. غرسها رحمة الله عليه في قلوب أبنائه بنينا وبناتا .. من الوفاء تعلم أبنائه أن يحترم الصغير الكبير وأن يعطف الكبير على الصغير, وهذه سياسة عظيمة ومنهجية سامية طبقت بين أبائه , فلم تبصر عيني خلال معايشتي بينهم أن حدث خلاف أو سوء فهم بين أحدهم و الآخر , بل لم أعرف أن هذا شقيق وهذا غير شقيق لأن الأساس هو الانتماء لعبدالله عراقي. ان الصورة الأولى التي ألتقطها لعبد الله عراقي توهم بأنه شديد في تعامله مع أبنائه وأحفاده خصوصا في مسألة الاحترام والتقدير فيما بينهم ولكنها تلاشت لتحل محلها البسمة والعطف والحنان والقلب والكبير.. بسمة الصفاء التي لا تعرف التصنع..والقلب الكبير الذي لا يعرف التمييز بين ابن وآخر. لقد طبع هذه السلوكيات في أبنائه منذ الصغر وهم الآن يقطفون ثمارها ويزرعونها في أبنائهم وأحفادهم, لذا تجد هذا البيت الكبير الذي بناه رحمة الله عليه لا يزال الى اليوم متماسكا , بيت أركانه المحبة والأخوة والوفاء.. وأعمدته الاحترام والتقدير.. وسقفه العطف والحنان.. يقول الله تعالى في محكم تنزيله: ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) حقا إن الموت حق على كل مخلوق.. ولكن الفراق صعب , خصوصا وأنت تفارق عميد أسرتك وملهمها الأول بعد الله , ولكن هذا هو حكمه وإرادته. أتدرون لماذا فضلت أن يكون أول موضوعاتي عن جدي رحمة الله عليه عن أيامه الأخيرة ولم أبادر بالكتابة عن معايشتي معه طيلة ستة عشر عاما قضيتها في كنفه؟! لأن هذه الصورة الأخيرة لا تزال عالقة في ذهني وكأنها وليدة اليوم وحدث جديد.. بينما مضى عليها الآن تسع وثلاثون عاما.. ولولا هذا المنتدى المبارك الذي كان للابن العزيز "الشريف نواف بن عبد الرحمن عراقي" الفضل الأول في حدوثه وإنشائه ثم عاونه المحبين من الأحفاد وأحفاد الأحفاد
وبإلحاح شديد من أخي الأكبر وابن العم العزيز "الشريف عبد الرحمن أحمد عراقي " الذي طالبني في أكثر من اتصال أن أكتب ما أعرفه عن هذا الشخص الكريم.. لذا أصارحكم القول وأنا صائم في هذا الشهر الكريم أن دموعي تنزف و تسبق قلمي في الكتابة.. ولم يدر بخلدي أنه سوف يأتي يوم وأكتب عنه..
لقد احتفظت بكل هذه الصور واستودعتها في عقلي الباطني , ولكن... من باب الوفاء للشخص الذي علمنا الوفاء, ومن باب حق الأبناء والأحفاد بأن يعرفوا على الأقل الشيء اليسير عن جدهم من عبد فقير استدرك بعض الصور بحكم سنه, أقدم لكم أحبتي بعضا من هذه الصور الجميلة مبتدأ باليوم الأخير.. يوم الوداع..
مرض الشريف ..ولم أعرف أن هذ هو مرضه الأخير, وكان من طبعه الصبر على البلاء واحتساب ذلك لوجه الله . كان يمتاز بالحلم والأناة والصمت .. وفي صمته حكمة, وكان يقضي معظم وقته في ذكر الله, كان يقوم يوميا في الهزع الأخير من الليل يتوضأ ويجلس على سريره يذكر الله , وعندما أشتد به الألم سارعوا أبنائه البررة بنقله إلى أحد المستشفيات الموجودة آنذاك في مكة بعد استشارة عدد كبير من الأطباء , ونقل رحمة الله عليه إلى مستشفى الملك عبد العزيز "الزاهر" ومكث فيها عدة أيام تحت عناية الله تعالى ثم معالجة الأطباء يوم يصحو وآخر يغفو, ولكن لسانه الرطب لا يزال يذكر الله .. وفي اليوم قبل الأخير لرحيله كان في أحلى حلل الصحة والعافية خصوصا ذاكرته, حيث طلب لقاء خليله وأنيسه وابن أخته المرحوم "علي مصلح صبغة" وكان لهذا الرجل مكانة عظيمة عند العميد ومنزلة كبيرة .. كنت أتشرف عندما كان جدي بكامل صحته في البيت أن أكون ثالثهم وأستمتع بالحديث الذي يدور بينهما. جاء العم علي صبغة وجلس بجانب جدي.. وجلسا يتبادلان أطراف الحديث.. حديث الذكريات والسنوات الماضية .. حديث منطقة الشهداء عندما كانت استراحة ومتنفس لهم وكيف كانت الحياة بسيطة في ذلك الوقت .. وكيف كانت وشائج الروابط قوية بين الأسر , وصلة الرحم , والتواصل , والزيارات.. كما دار الحديث عن العطارة – العم علي صبغة كان شيخ العطارين بمكة - و التداوي بالأعشاب.. ولم يخل الحديث من السؤال عن شقيقته الكبرى "زينب" وعن صحتها .
ثم توقف العميد برهة وقال: " لم يبق لي في هذه الدنيا سوى شيئان أريد تحقيقهما.. أولها كانت جارية عند والدتي تدعى نصرة حدث بيني وبينهاموقف خلاف فنهرتها وأريد أن أستسمحها , والثاني عند موتي ونقلكم لي للمسجد الحرام أريد منكم قبلها أن تذهبوا بي إلى دار زوجتي الثانية -"والدة العم إبراهيم هي الأولى"- لأني أريد أن أستسمحها وأودعها "
بربكم هل يوجد وفاء أعظم وأجل وأسمى من هذا الوفاء ؟!
طلب من العم محمد صبغة -"تزوج العمة صالحة وعند وفاتها تزوج العمة عائشة "- وهو رجل المهمات الصعبة وخير من خدم خاله, طلب منه إحضار الخالة نصرة وكانت تقطن في أحد المساكن الشعبية في جبل كعبة . كيف عرف منزلها وأحضرها في ساعات محدودة ..لا أدري!! انما الحكمة أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يكرمه وأن يرحل من الدنيا و ليس بينه وبين أحد خلاف أو خصام. وهذا من حسن الختام..عناية الله فوق كل شي.. أحضرت الخالة وهي محمولة حيث أنها لا تستطيع المشي لكبر سنها ولما رأت العميد وهو ممدد على السرير وهو في هذه الصورة .. بكت وقالت له بالحرف الواحد : "الله أكبر!! ماذا حدث لك يا عبد الله؟!!" .. قالتها بلغة الأم الحنون العاطفة على ولدها, فرد عليها رحمة الله عليه طالبا السماح إن كان حدث منه شيء عندما كانت تخدمهم, وقالت له : "أفديك بروحي, والله لو أستطيع أن أمنحك روحي لما بخلت عليك بها" وكانت الدموع تنهمل من الجانبين , والدعاء بأن يكون اللقاء القادم في الجنة . تسامح جدنا من كل الحاضرين , ودعا لأبائه وبناته وزوجاته وأحفاده بالتوفيق والصلاح والتقوى والفلاح في الدنيا والآخرة, وكانوا أولاده وبناته وزوجته يحيطون به من كل جانب , وكنت أقبع في أحد أركان الغرفة أشاهد هذا المنظر المؤثر , ورفع العميد رأسه ونظر الى كل من حوله , ثم رفع سبابته وتشهد والكل انهمرت دموعهم.. والكل يقول: الله أكبر... مات الحبيب .. مات الغالي .. مات العزيز.. كأنه شمعة وانطفأت ..
لقد لفت دائرة الأسى والحزن أبنائه ومحبيه.. لقد فجعت مكة المكرمة بفقدان ابن من أبنائها الأبرار.. عاش حياته كلها في خدمة دينه ووطنه.. وقد تمت الصلاة عليه في المسجد الحرام ودفن في مقابر المعلاه –شعبة السادة-, وقد شيعه الى مثواه الأخير أبناء مكة البررة وكبار رجالها وعلمائهاو زملاءه أعضاء مجلس الشورى , كما أن أبنائه تلقوا التعازي والمواساة من كبار المسؤولين في الدولة وعلى رأسهم مليك البلاد وأصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب المعالي الوزراء, حيث أنه رحمة الله عليه يعد من كبار المسؤولين الذين شاركوا الملك عبد العزيز رحمة الله عليه ومن بعده ابنائه البررة سعود وفيصل الكثير من الأعمال والمهام سواء عندما كان معاونا لأمين العاصمة المقدسة أو مديرا عاما للأوقاف -لم تستحدث وزارة آنذاك- وأخيرا عضوا في مجلس الشورى. كما أنه رحمة الله عليه كان له شرف خدمة الحرمين الشريفين عند توسعتها حيث أنه كان عضوا في اللجان المكلفة بذلك. وقد كان يعتمد عليه في الكثير من المهام في تطوير مكة المكرمة في تلك الفترة.
رحم الله جدنا الذي شرفه الله بالصلاة داخل الكعبة المشرفة عدة مرات وشرفه الله بالسلام على سيد الأنبياء والمرسلين من داخل الحجرة النبوية الشريفة عدة مرات ونال شرف الصلاة بالمسجد الأقصى المبارك.
اذا كان "عبد الله عراقي" قد مات جسدا فان روحه باقية تتجسد في أبنائه : "ابراهيم وخليل وأحمد ومحمد ومحمود".. وقد قيل " من خلف ما مات " واذا كان الله سبحانه وتعالى قد أخد وداعة "ابراهيم وخليل ومحمود" فروحه باقية في جسد "أحمد ومحمد" وبقية بناته الموجودين حاليا على قيد الحياة.. روح التسامح.. روح المحبة .. روح العطف والحنان.. روح الايمان الكبير بالله سبحانه وتعالى.. وأخيرا.. روح الوفاء التي هي سمة عظيمة يمتاز بها رحمة الله عليه...
اللهم أغفر له وأرحمه ووسع مداركه وأجعل قبره روضة من رياض الجنة وأكرم نزله وأجعله مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا...
كل ابن أنثى وان طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول
ألم أقل لكم من قبل أنه:
"في الليلة الظلماء يفتقد البدر"
بقلم الدكتور عبدالمحسن بن محمد عبدالله عراقي
Ahmed Eraqi يعجبه هذا الموضوع
من اعيان مكة المكرمة الشريف عبدالله بن ابراهيم عراقي