عدد الرسائل : 2011 العمر : 47 الموقع : https://aleraqi.alafdal.net العمل/الترفيه : الرئيس العام لمجموعة منتديات عائلة العراقي المزاج : توكلت علي الله في عملي ورزقي مزاجي : رقم العضوية : رئيس المنتدي تاريخ التسجيل : 07/08/2008
موضوع: تعريف العسر في اللغة الخميس يونيو 17, 2010 8:31 pm
تعريف العسر لغةّ:
( عسر ) الأمر عسراً مثل قرب قرباً وعسارةً بالفتح فهو عسير ، أي صعب شديد ، ومنه قيل للفقر عسر.([1]) وقال الزمخشري: عسر: العٌسْرٌ ضدّ اليٌسْر ، وعسر الأمر ضاق.([2]) وعسر عليَّ فلان: خالفني ، ورجل عسر وهو نقيض السهل… ولا تعسر غريمك ولا تعسره لا تأخذه على عسرةٍ ولا تطالبه إلاّ برفق. وجاء في محيط المحيط: ( عسر ) الغريم يعسٌره ويعسِره عسراً وعٌسراً طلب منه الدَّيْن على عسرةٍ.([3]) ومن خلال ما ورد في المعاجم لتعريف العسر يتّضح أنّه ضدّ اليسر ، وأنّه بمعنى العسير ، وهو الصعب الشديد ، ولذا قيل للفقر عسر. واليسر في اللغة: اليسر بالفتح ، ويٌحرَّك ؛ اللّين والانقياد .. واليسر بالضمّ وبضمّتيْن ، واليسارٌ واليسارةٌ والميسٌرة مثلّثة السين السهولة والغنى ، وأيسر يساراً صار ذا غنىً فهو موسر ، الجمع مياسير ، واليسر ضدّ العسر.([4]) وبالنظر والموازنة بين تعريف (عسر) ولفظ (يسر). يتّضح التبايٌن بين اليسر والعسر فهما من الأضداد ، حيث إن الأولى تأتي بمعنى الغنى والسهولة والثانية ( العسر ) بمعنى الفقر والضيق ، أي صعوبة الأمر. ويلحظ أن هنالك ألفاظاً ذات صلة بكلمة (عسر) منها الفلس والمفلس والغريم والذي هو المدين وصاحب الدين أيضاً وهو الخصم مأخوذ من ذلك ؛ لأنه يصير بإلحاحه على خصمه ملازماً ، الجمع غرماء مثل كرماء.([5])
العسر اصطلاحاً:
تناول الفقهاء الإعسار بالتعريف ، وقد انصبت التعريفات على أن المعسر من لا فلوس له. ولتباين ذلك أورد ما جاء فيه ضمناً في تعريف الإفلاس لتناول الفقهاء مسألة الإعسار في تصانيفهم ومؤلفاتهم في أبواب الحجر والفلس. ولبيان أن لفظ الفلس من الألفاظ ذات الصلة بلفظ عسر. نقل ابن شهاب عن الإمام مالك قوله: الفلس شرعاً ( من قصر ما بيده عما عليه من الديون ) فيقال أفلس الرجل كأنه صار إلى حال ليس له فلوس ، كما يقال له أقهر إذا صار إلى حال يقهر عليه … والجمع مفاليس ، وحقيقة الانتقال من حالة اليسر إلى العسر.([6]) وقال بن رشد ( الإفلاس في الشرع يطلق على معنيين : أحدهما أن يستغرق الدين مال المدين فلا يكون ماله وفاء بديونه ، الثاني أن لا يكون له مال معلوم أصلاً )([7]) وبالنظر إلى التعاريف الواردة أعلاه نتبين أن العسر ملازم لحالة الإفلاس ومتعلق بلفظ الفلس ، فقد ذكره الفقهاء ضمن مصطلح الفلس لتبيان معنى الإعسار ، وهو لا يخرج عن حال الفقر ؛ إما بأن يستغرق الدين مال المدين كله أو لا يكون له مال معلوم أصلاً. وبالموازنة بين تعريف العسر أو الاعسار لغة وإصطلاحاً يٌلحظ اتفاقهما في بيان أن الإعسار ضد اليسر. ونفس الأمر لبيان معنى الإعسار في اللغة والاصطلاح وافق ما جاء في كتب التفسير في بيان معنى الإعسار في قوله تعالى: [ وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌٌ إلى ميسرةٍ ] البقرة الآية (280) ، وعلى سبيل المثال ما أورده الفخر الرازي ( العسرة اسم من الإعسار ، وهو تعذر الموجود من المال ، يقال أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة ، وهى الحالة التي يتعسر فيها وجود المال ). وبالتالي نقول : ( الإعسار هو أن لا يجد في ملكه ما يؤديه بعينه ، ولا يكون له مال لو باعه لأمكنه أداء الدين من ثمنه ).([8])
المبحث الثاني
الإعسار فقهاً قبوله وإثباته:
تناول الفقهاء الإعسار وأحكامه على اختلاف مذاهبهم ، وبالنظر إلى ما اتبعوه في تبويباتهم لم يتطرقوا إليه منفصلاً ، وإنما أدخله البعض في باب الحجر وأحكامه ، أو في أحكام الرهن والتفليس ، وحتى اللفظ نفسه تباين ، فأطلق الغارم والمعسر والمديان ([9]) والمفلس. ومن المسائل المتعلقة بالإعسار تفرعت مسائل اتفقوا فيها ، وأخرى اختلفوا فيها ، ومنها جواز حبس المعسر من عدمه ، ومن يقبل إعساره ، وشروط قبول البينة على الإعسار ، ومن ثم يتناول البحث هذه الجزئيات من حيث الفقه والقانون ، وتطبيقات السوابق القضائية ، والموازنة بين الفقه والقانون.
أراء الفقهاء في حبس مدعي الإعسار:
الحبس لغة (<A title="" style="mso-footnote-id: ftn10" href="http://www.sjsudan.org/res_getcontent.php?conid=1&id=#_ftn10" name=_ftnref10>وقال بن قدامة من الحنابلة : ( ومن وجب عليه حق فذكر أنه معسر به حبس إلى أن يأتي ببينة بإعساره ).([14])
ويٌستخلص مما سبق اتفاق الفقهاء على حبس مدعي الفلس الذي يدفع بالإعسار ، ويشتبه في حاله ، فيكون الحبس لمظنة أنه على الملاء فيؤدي حبسه إلى قيامه بأداء الدين ، أو يثبت إعساره بأن يأتي بالبينة على إعساره وتبعاً لذلك اختلف الفقهاء فـي جواز سماع البينة على الإعسار ، ووقت سماعها ، وقد أجاز أبو حنيفة سماعها ، وعند الإمام مالك حٌكي عنه قوله: (( لا تسمع البينة على الإعسار لأنها شهادة على النفي… وعند الحنابلة سماع البينة على الإعسار مقبول ، وتسمع كسائر البينات التي تسمع في الحال )) ([15]) وعند الشافعية ( تٌسمع على الرغم من أنها شهادة للنفي قبلت للحاجة ) ([16]) وبالنظر إلى آراء الفقهاء ، فالحنفية والشافعية أجازوا سماع البينة على الإعسار مطلقاً ، والإمام مالك حٌكي عنه عدم جواز ذلك ، وعلل أنها بينة على النفي لا تقبل ، والشافعية أجازوا رغم أنها بينة على النفي إلا أنها تقبل للحاجة.
وقت سماع البينة:
اختلف الفقهاء في سماع البينة على الإعسار قبل الحبس أم بعده ، وانقسموا إلى رأيين : الأول : للإمام مالك والشافعي وأحمد ، وعندهم تٌسمع البينة قبل الحبس. الثاني : للإمام أبو حنيفة ، وعنده لا تٌسمع إلا بعد الحبس. وتلخيصاً للرأيين المتقدمين جاء في الميزان : ( … ومن ذلك قول مالك والشافعي وأحمد أن البينة بالإعسار تٌسمع قبل الحبس مع الظاهر من مذهب أبي حنيفة أنها لا تسمع إلا بعد الحبس ، فالأول مخفف على المفلس ، والثاني عكسه ولكن يٌحمَل الأول على أهل الورع الخائفين من حقوق الخلائق ، ويٌحمَل الثاني على من كان بالضد من ذلك ، فرجع الأمر إلى مرتبتي الميزان). ([17]) ويستخلص من ذلك أن الجمهور اعتمدوا جواز سماع البينة قبل الحبس ، وخالفهم الإمام أبو حنيفة في عدم السماع قبل الحبس ، وهو الرأي الراجح ؛ لأن الغالب أن طلب حبس المدين يكون دائماً من الدائن ، وعند عجزه عن معرفة أحوال مدينه ، فيٌطلب حبسه اختباراً لحاله.
البينة على الإعسار:
إذا حٌبس المدين ، فيدفع الحبس عنه بسماع بينته على إعساره ، ولا يشترط أن يكون إثبات الإعسار بشهادة الشهود فقط ، وإنما كل ما يبين ذلك من طرق الإثبات ، ولكن تتبع جل ما ورد في شأن الإعسار وسماع البينة على الإعسار في الفقه ، يجدها تدور حول الشهادة مما يفهم منه أن الشهادة طريق أصيل لإثبات الإعسار. وعليه تبعاً لذلك اشترطوا نصاباً للشهود ، وشرطوا شروطاً في ذات الشهادة. اشترط الفقهاء أن يكون الشهود على الإعسار ثلاثة شهود ، وبنوا ذلك على احتجاجهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أصابته جائحة ، حيث طلب منه أن يأتي بثلاثة شهود.([18]) أما في الشهادة نفسها ، اشترط في الشهود أن يكونوا من ذوي الخبرة الباطنة ، بمعنى أن لا تنصب الشهادة بمجرد الوقوف على ظاهر أحـوال المدين ، وإنما تتعداها إلى إلمام الشاهد بظاهر وباطن أحوال المدين ، ولا يتأتي ذلك إلا لمن كان ملازماً للمدين ومخالطاً له ، ويـدل على ذلك ما أورده الرافعي : ( فإن أقام البينة على إعساره سمع في الحال … ويشهد من يخبر باطن حاله).([19]) إذا كانت الشهادة على الإعسار بتلف المال ، يجوز أن تسمع من غير ذوي الخبرة الباطنة ، بخلاف إن كانت على الإعسار ( فإن شهدت البينة بتلف ماله ، قبلت شهادتهم ، سواء كانت من أهل الخبرة الباطنة أو لم تكن ، ea8 وإن لم تشهد بالتلف ، وشهدت بالإعسار ، لم تقبل الشهادة إلا من ذي خبرة باطنة ؛ لأنه في الأمور الباطنة لا يطلع عليها في الغالب إلا أهل الخبرة والمخالطة).([20]) وظاهر ذلك أن التلف يظهر لذوي الخبرة وغيرهم ، بخلاف الإعسار ، فهو شهادة على عدم المال ، ولا يتأتي ذلك إلا لمن كان ذا إلمام ببواطـن المدين ، وذا مخالطة له ، كأن يكون الشاهد من أهل التجارات المخالطين للمدين ، أو من شركائه ، أو من له جوار وخلطة بالمدين. كما يستخلص مما سبق سرده إذا أقام البينة على إعساره حسب المعتبر في الشهادة والشهود ، أن يخلي سبيله بإطلاق سراحه من حبسه ، وتبعاً لذلك ، وقبل قبول إعساره ، اختلف الفقهاء في جواز إحلاف المدين. فأجاز الإمام مالك والشافعي للغرماء طلب إحلاف المدين بتحليفه أنه لا مال له ظاهر ولا باطن ، وخلافاً لذلك منع الإمام أبو حنيفة وأحمد تحليفه بعد إثبات إعساره ،([21]) وعليه فإن أقام كلٌَ من الدائن ومدينه البينة ، فإن تكافأت بأن شهد قومٌ بالعدم ، وشهد قومٌ بالملاء ، وإذا شهدوا كلهم على ظاهر الحال ، ولم يقولوا لا نعلم مالاً أخفاه ، فقيل يقضى بأعدلهما ، فإن تكافأتا سقطتا وبقي محبوساً ، وقيل يخرج حتى يكشف حاله.([22]) وعند الحنفية الأمر في ذلك لا يعدو عن حالين: الأول: أن يقول الطالب هو موسر ، وقال المطلوب أنه معسر ، فإن قامت لأحدهما بينةٌ قٌبلت ، فإن أقاما البينة ، فالبينة للطالب ؛ لأنها تٌث ea8 بت زيادة ، وهو اليسار. الثاني : أن لم تكن لهما بينة ، فذهب محمد إلـى أن الدين إن ثبت بمعاقدة ، كالبيع والنكاح ، فالقول قول الطالب ، وإن ثبت بغير ذلك ، كالقتل الذي لا يوجب القصاص ويوجب المال في مال الجاني دون الخطأ ، فالقول قول المطلوب.([23]) ورأي الإمام محمد هـو ظاهر الرواية في مذهب الحنفية ، وهو الأصوب ؛ لأن الظاهر شاهد للطالب لما في إقدامه ( المدين ) على المعاقدة دليل القدرة ، إذ الظاهر أن الإنسان لا يقدم على ذلك إلا عند القدرة ، وكان الظاهر شاهداًَ للطالب ؛ لأنه ثبتت قدرة المطلوب لسلامة المال ، وهو رأي راجح. واختلف الفقهاء في جواز ملازمة الغرماء للمدين إذا تمّ إحلافه بعد إثبات إعساره. الإمام أبو حنيفة وصاحباه يرون أنه لا يمنع الغرماء من ملازمته إذا قضى القاضي بالانتظار لاحتمال أن يرزقه الله تعالى ، وعند الحنابلة وزفر لا يلازمونه.([24]) والأرجح الملازمة بعد إثبات الإعسار ، يعني النظرة ، وهي التأخير إلى أن يتحسن حال المدين ويقدر على الأداء. اتفق الفقهاء على عدم جواز منع المدين من السفر ، ولا حق التصرف في أمواله.([25]) فإذا كانت البينة على الإعسار رٌفضت ، فهل يبقى المدين في الحبس حتى الأداء حتى يخلد في حبسه؟ والظاهر أن نظرة الفقهاء متأرجحة في ذلك ، وغالب ما نصوا عليه أن المدين بعد حبسه يٌطلق سراحه إذا بقي فترة ثلاثة أو أربعة أشهر ، فيخرج ليكشف عن حاله ؛ لأن الحبس ليس مقصوداً في ذاته ، وإنما شرع لكي يجبر المدين على إخراج المال المشتبه في إخفائه.([26]) والحبس شرع للتوسل لقضاء الدين لا لعينه . وبالتالي هذا يتوقف على تقدير قاضي التنفيذ من حيث تقدير المدة وشروط الإفراج عن المدين.