بقلم الأمير عبد العزيز بن سطام بن عبد العزيز تماثيل باميان: شبهات وردود
كاتب الموضوع
رسالة
Admin Big Boss
عدد الرسائل : 2011 العمر : 47 الموقع : https://aleraqi.alafdal.net العمل/الترفيه : الرئيس العام لمجموعة منتديات عائلة العراقي المزاج : توكلت علي الله في عملي ورزقي مزاجي : رقم العضوية : رئيس المنتدي تاريخ التسجيل : 07/08/2008
موضوع: بقلم الأمير عبد العزيز بن سطام بن عبد العزيز تماثيل باميان: شبهات وردود الثلاثاء يونيو 15, 2010 2:15 pm
بسم الله الرحمن الرحيم تماثيل باميان: شبهات وردود بقلم الأمير عبد العزيز بن سطام بن عبد العزيز الحمد لله الذي جعلنا خير أمة اخرجت للناس، وصفها سبحانه وتعالى بأعظم الاوصاف الموجبة لهذه الخيرية امة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، نبينا وامامنا محمد بن عبد الله الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك. وبعد: فقد كثر الحديث وتشعب في الايام الماضية حول ما قامت به (طالبان الافغانية) من تحطيم للاصنام، والتماثيل البوذية الموجودة في احدى المناطق الافغانية، وسبب تشعب الآراء وكثرة الحديث فيها يعود في نظري ـ والله اعلم ـ الى عدة اسباب: الأول: ان الحديث في المسألة لم يكن من زاوية واحدة بل كان من زوايا متفرقة: منها الشرعي، ومنها السياسي، ومنها العاطفي، ومنها النظرة لمصالح متباينة حسب طبيعة المتحدث وتوجهه. الثاني: ان المنتسبين الى العلم الشرعي الخائضين في هذه المسألة هم انفسهم قد افترقوا في كيفية تقييمها والحكم عليها، وفي حقيقة هذه الاصنام، وفي الدليل الحاكم عليها. هل هو النص او المصلحة؟ متأثرين في كل ذلك بخلفياتهم العلمية والعقدية، وربما الاجتماعية والسياسية. الثالث: ان المسألة تجاوزت كونها مسألة شرعية، الى ان اضحت (وجهة نظر) يتحدث فيها من يعلم ومن لا يعلم! وقديما قيل: لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف! وابتداء اقول: ان حديثي هذا موجه لمن يرتضي الدليل الشرعي حكما وفصلا يجب اتباعه، وهو في جميع اموره يحكم النصوص الشرعية ويعتقد كمالها وصلاحيتها وتفوقها على غيرها. وهذا هو الاصل الذي اوجبه الله على المؤمنين عند الخلاف عملا بقوله عز وجل: (فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول) (النساء:59) ومن لم يرض بحكم الله ورسوله بعد ثبوته وعلمه به، فقد نفى الله عنه الايمان بصريح القرآن، قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء:65).
أما الحكم الشرعي في مسألة هدم الاصنام فهو واضح ولله الحمد دلت عليه النصوص الشرعية الصحيحة الصريحة، ومن ذلك: حديث البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي مكة يوم الفتح وحول البيت ستة وثلاثون نصبا، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد. ومنه ايضا حديث علي رضي الله عنه حين قال لأبي الهياج الاسدي: (الا ابعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان لا تدع تمثالا الا طمسته ولا قبرا مشرفا الا سويته). فقد ارسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب رضي الله عنه الى صنم طيىء ليهدمه في سنة تسع قال الامام ابن القيم: (قالوا: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب في مائة وخمسين رجلا من الانصار على مائة بعير، وخمسين فرسا، ومعه راية سوداء، ولواء ابيض الى الفلس، وهو صنم طيئ ليهدمه، فشنوا الغارة على محلة آل حاتم في الفجر فهدموه). وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم لهدم الأصنام، قال هشام بن الكلبي: كانت مناة اقدم من اللات فهدمها علي عام الفتح بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت اللات احدث من مناة، فهدمها المغيرة بن شعبة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما اسلمت ثقيف، وكانت العزى احدث من اللات، وكان الذي اتخذها ظالم بن سعد بوادي نخلة فوق ذات عرق، فهدمها خالد بن الوليد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح. وهي سنة الانبياء من قبل كما فعل ابو الانبياء ابراهيم عليه السلام قال الله تعالى: (وتالله لأكيدن اصنامكم بعد ان تولوا مدبرين) (الانبياء:57) قال تعالى: (فجعلهم جذذا الا كبيراً لهم لعلهم اليه يرجعون) (الانبياء:58). وقوله تعالى (فجعلهم جذذا) اي حطاما، قال تعالى: (فراغ عليهم ضربا باليمين) (الصافات: 93). وكما فعل موسى عليه السلام مع العجل الذي عبده بنو اسرائيل قال الله تعالى: (قال فاذهب فإن لك في الحياة ان تقول لا مساس وان لك موعدا لن تخلفه وانظر الى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) (طه:97). وهذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم وامره عليا ـ رضي الله عنه ـ بتكسير الاصنام، دال في اقل احواله على مشروعية هذا الامر، مع قول علماء السلف بوجوبه، وامر مشروع ثابت بالنص يحرم الانكار على فاعله لأنه انكار لمورد النص. والانكار لا يكون الا في حال المخالفة الشرعية الظاهرة من صاحبها والتي ثبت شرعا كونها مخالفة، فكيف بأمر ثبتت مشروعيته في اقل الاحوال؟ بيان الحكمة من هذا الأمر من المقرر شرعا ان الشارع لا يأمر بأمر او يقره الا لانه يحقق للعباد مصلحة او يدفع عنهم مفسدة، وامر النبي صلى الله عليه وسلم بتكسير الاصنام وفعله ذلك بنفسه، لا بد انه يحقق للعباد مصالح معتبرة، ويدفع عنهم مفاسد متوقعة، وكما هو معلوم فإن حفظ الدين هو اعظم الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بوجوب حفظها، ويكون حفظها من جهتين، من جهة الوجود ومن جهة العدم، فمن جهة الوجود الامر بالايمان والعمل بمقتضى هذا الايمان، اوله التوحيد والدعوة اليه، وتحكيم الشرع وتحصيل العلم الشرعي. ومن جهة العدم رد كل ما من شأنه مخالفة هذا الدين او زعزعة ايمان الناس به، ومحاربة ما يكون سببا في ذلك او مظنة لذلك السبب. ووجود الاصنام بين ظهراني المسلمين لا شك انه مظنة للشرك في القريب العاجل او البعيد الآجل. والشريعة جاءت بسد الذرائع المفضية للمفاسد، وهذا ما علل به علماء الامة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بتكسير الاصنام، فقال الامام ابن القيم: (واما محل الصور فمظنة الشرك وغالب شرك الامم كان من جهة الصور والقبور) وقال العلامة ابن حجر في الفتح: «لأنها مظنة الشرك» بل هو السبب الفعلي في وقوع الشرك في الناس كما هو صريح في قصة نوح عليه السلام. وهذا يعني ان الامر متعلق بأهم مسألة وهي التوحيد الذي لا دخول للجنة بدونه، وبالشرك الذي لا نجاة من النار ولا قبول لأي عمل معه. وهناك حكم أخرى لهذا الامر الشرعي، وهي حكم مطلوب تحصيل ما يحققها في كل عصر، متى ما قدر المسلمون على ذلك ومنها: قيام المكلفين بواجبهم الذي جاءت به الاوامر الشرعية بإزالة الاصنام والنهي عن عبادتها، واظهار انها لا تنفع ولا تضر، وهذا الامر له اثره البالغ في عابديها في كل عصر، لما يرون ان آلهتهم ـ كما يزعمون ـ تكسر بلا حول ولا قوة، ولا تستطيع ان تدفع عن نفسها شيئا، فيبدأ الواحد منهم يفكر: كيف اعبد إلهاً هذا حاله؟ ولهذا شواهد من قصص اسلام الصحابة كعمرو بن الجموح وراشد بن عبد ربه وغيره، وهي قصص مشهورة. وهذه مصالح ظاهرة مقصودة شرعا تأتي تبعا لتحقيق هذا الامر الشرعي. وهذا من ناحية الحكم الشرعي وحكمه ومصالحه. شبهات وردود اما من ناحية الاعتراضات (الشبه) التي حاولت استقصاءها من خلال ما سمعت وقرأت من نقاش واحاديث، فسأحاول ـ بحول الله ـ عرضها، ومن ثم مناقشتها بما يفتح الله به، وهو المستعان ومنه وحده التوفيق: اولا: قولهم (انها اصنام قديمة موجودة قبل الاسلام فتبقى كما كانت) فتمشيا مع قولهم هذا، فإن الاستدلال ينتقض عليهم، ووجه ذلك: ان كان الاقدم عندهم هو (الاحسن)، وانه هو ما ينبغي العودة اليه، فإن الاقدم هو ما كان وقت آدم عليه السلام وهو التوحيد الخالص الخالي من الشرك، اذ لم تكن آنئذ اصنام مطلقا فالوقت الذي وجدت فيه الاصنام ليس بأولى في اعتباره من الوقت الذي لم توجد فيه اصنام فإن عادوا وقالوا: ان الاحسن هو الاحدث، فالاحدث هو انها هدمت، فيكون هدمها هو الاحسن فإن عادوا وقالوا: ان ما كان على مر العصور ادوم هو الاحسن، فالادوم والذي يمثل التراث الانساني هو ما كان عليه الانبياء ومن تبعهم باحسان حيث لم يجز اي منهم عبادة الاصنام ولا ابقاءها فيكون هدمها هو الاحسن بل هو الواجب. وبلا شك فإن ازمان الانبياء واتباعهم المؤمنين بهم هي اهدى العصور وهي تقر هدم كل صنم سواء كان معبودا ام لم يكن، ثم من جهة اخرى وبالمقابل من اين يبدأ تاريخ الاسلام؟ ان الاسلام ليس حادثا مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو قديم قدم الانسانية، وهو دين الانبياء جميعا الذين بعثهم الله به الى اممهم. قال الله تعالى: (ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) (آل عمران:67). وقال الله تعالى: (ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون) (البقرة:132). فالاسلام هو التوحيد الخالص، وهو دين الانبياء جميعا، وجوهر دعوتهم جميعا: ان اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، وما ارسل الله من رسول الا اوحى اليه بذلك قال الله تعالى: (وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا إله الا انا فاعبدون) (الانبياء:25) وكما هو مقرر في القرآن العظيم في مواضع كثيرة جدا. وقد جاء في الحديث ان الانبياء اولاد علات دينهم واحد وشرائعهم مختلفة.
ثانيا: قولهم: «ان المسلمين المتقدمين لهم يهدموها» وهو كلام لا دليل عليه، فالتاريخ الاسلامي حافل بذكر الاصنام الكثيرة التي هدمها المسلمون في تلك البلاد وقد ورد ذكرها في الكتب التي ذكرت الاصنام ومنها 1. كتاب (الاصنام) الذي جمعه ابو المنذر هشام الكلبي. 2. وقد ذكر ابن بطوطة في رحلته ان الخليفة المأمون حاول تدمير الاهرام وضربها بالمنجنيق ولم يؤثر ذلك الا في احداث ثلم فيها. 3. كما ذكر ابن اياس في (بدائع الزهور) ان صنم (ابو الهول) كان مدفونا في الرمال ولم يكن يظهر منه الا رأسه، وانه كان يوجد قبالته صنم آخر قام الملك محمد الناصر قلاوون 711هـ بتدميره، وقطعه وجعل منه اعتابا وقواعد. 4. وجاء في كتاب: «تركستان من الفتح العربي الى الغزو المغولي»، تأليف المستشرق الروسي بارثولد، وترجمة عثمان عمر (ص 203) ان المسلمين في مناطق من تركستان هاجموا بعض مراكز المجوس للعبادة وخلعوا ابوابها، وكشطوا ما عليها من وجوه منقوشة وجعلوها ابوابا للمساجد. 5. اضف الى ذلك ما ذكره صاحب مروج الذهب (2/535) عن بيت غمدان بصنعاء حيث قال: (وكان الضحاك بناه على رسم الزهرة وخربه عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ فهو في وقتنا هذا وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة خراب قد هدم فصار تلاً عظيماً). 6. وما ذكره ايضا (2/536) بقوله: (والبيت السادس كاوسان، بناه كاوس الملك بناء عجيبا على اسم المدبر الاعظم (اي عندهم) من الاجسام السماوية وهو الشمس، بمدينة فرغانة من مدائن خراسان، وخربه المعتصم بالله).
7. ومن ذلك ما قاله ايضا عند ذكره البيوت المعظمة عند اليونانيين (2/537) بيت انطاكية: من ارض الشام على جبل بها داخل المدينة والسور محيط بها وقد جعل المسلمون في موضعه مرقبا لينذرهم من قد رتب فيه من الرجال بالروم إذا وردوا من البر والبحر وكانوا يعظمونه ويقربون فيه القرابين، فخرب عند مجيء الاسلام. ومما قاله أيضاً (547/2): «وفي وسط مدينة جور ـ من أرض فارس ـ بنيان كانت تعظمه الفرس يقال له الطربال خربه المسلمون».
8. ومما ذكر أيضا (547/2) بقوله: «وبيت نار على خليج القسطنطينية من بلاد الروم، بناه سابور بن اردشير بن بابك وهو سابور الجنود حين نزل على هذا الخليج وحاصر القسطنطينية في عساكره، فلم يزل هذا البيت هنالك الى خلافة المهدي فخرب، وله خبر عجيب».
9. وعن السلطان محمود بن سبكتكين فاتح الهند ـ رحمه الله تعالى ـ قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في البداية والنهاية (22/12 ـ 23) في حوادث سنة 418هـ: انه ورد فيها كتاب محمود بن سبكتكين: (يذكر انه دخل بلاد الهند وأنه كسر الصنم الأعظم الذي لهم المسمى بسومنات، وقد كانوا يفدون إليه من كل فج عميق كما يفد الناس إلى الكعبة البيت الحرام وأعظم، وينفقون عنده النفقات والأموال الكثيرة، التي لا توصف ولا تعد، وكان عليه من الأوقاف عشرة آلاف قرية، ومدينة مشهورة، وقد امتلأت خزائنه أموالاً، وعنده ألف رجل يخدمونه، وثلاثمائة رجل يحلقون رؤوس حجيجه، وثلاثمائة رجل يغنون ويرقصون على بابه، لما يضرب على بابه الطبول والبوقات، وكان عنده من المجاورين ألوف يأكلون من أوقافه، وقد كان البعيد من الهنود يتمنى لو بلغ هذا الصنم، وكان يعوقه طول المفاوز وكثرة الموانع والآفات، ثم استخار اللّه السلطان محمود لما بلغه خبر هذا الصنم وعباده وكثرة الهنود في طريقه والمفاوز المهلكة والأرض الخطرة في تجشم ذلك في جيشه، وأن يقطع تلك الأهوال إليه، فندب جيشه لذلك فانتدب معه ثلاثون ألفاً من المقاتلة، ممن اختارهم لذلك سوى المتطوعة فسلمهم اللّه حتى انتهوا إلى بلد هذا الوثن، ونزلوا بساحة عباده، فإذا هو بمكان بقدر المدينة العظيمة، قال: فما كان أسرع أن ملكناه من أهله خمسين ألفاً، وقلعنا هذا الوثن وأوقدنا تحته النار. وقد ذكر غير واحد أن الهنود بذلوا للسلطان محمود أموالاً جزيلة ليترك لهم هذا الصنم الأعظم فأشار من أشار من الأمراء على السلطان محمود بأخذ الأموال وإبقاء هذا الصنم لهم، فقال: حتى أستخير اللّه عزْ وجلْ، فلما أصبح قال: إني فكرت في الأمر الذي ذكر فرأيت أنه إذا نوديت يوم القيامة أين محمود الذي كسر الصنم؟ أحب إليَّ من أن يقال الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا ثم عزم فكسره ـ رحمه اللّه ـ فوجد عليه وفيه من الجواهر واللآلئ والذهب والجواهر النفيسة ما ينيف على ما بذلوه له بأضعاف مضاعفة، ونرجو من اللّه له في الآخرة الثواب الجزيل الذي مثقال دانق منه خير من الدنيا وما فيها، مع ما حصل له من الثناء الجميل الدنيوي، فرحمه اللّه وأكرم مثواه).
10. وهذا خبرُ قاهر الصليبيين، ومحطم دولة الكفر العبيدية في مصر ـ صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه اللّه رحمة واسعة ـ كما ذكره الإمام الحافظ المقريزي المصري ـ رحمه اللّه ـ في الخطط (210/1) حيث قال: «اعلم ان الأهرام كانت بأرض مصر كثيرة جداً، منها بناحية بوصير شيء كثير، بعضها كبار وبعضها صغار وبعضها طين ولبن، وأكثرها حجر، وبعضها مدرج، وأكثرها مخروط أملس، وقد كان منها بالجيزة تجاه مدينة مصر عدة كثيرة، كلها صغار هدمت في أيام السلطان صلاح الدين الأيوبي على يد قراقوش ـ وهو وزيره ـ وبنى قلعة الجبل والسور المحيط بالقاهرة ومصر والقناطر التي بالجيزة».
11. وقال الإمام السيوطي المصري ـ رحمه اللّه تعالى ـ في حسن المحاضرة (68/1): (قال صاحب المرآة «وهو سبط ابن الجوزي»: وحكى جدي عن ابن الناوي أنه قال: حسبوا خراج الدنيا مراراً فلم يف بهدمها. قال صاحب المرآة: هذا وَهْمّ، فإن صلاح الدين يوسف بن أيوب أمر بأن يؤخذ منها حجارة يبني بها قنطرة وجسراً فهدموا منها شيئاً كثيراً».
12. وذكر المقريزي في الخطط (230/1): أنه في سنة 711هـ نزل أمير يعرف ببلاط في نفر من الحجارين والقطاعين، وكسروا الصنم المعروف بالسرية (وكان مقابل أبي الهول) وقطعوه أعتاباً وقواعد. كما ذكر أن في زمنه قام شيخ صالح لتغيير أشياء من المنكرات وسار إلى الأهرام، وشوّه وجه أبي الهول وشعثه، فهو على ذلك إلى اليوم.
أضف إلى ذلك أن ما لم يدمر منها كان لعذر فلا يتصور فيمن هم أتقى وأعلم منا مخالفتهم لأحكام الشرع، فإن تركوا شيئاً فهو لمانع منعهم، ومن أمثاله: 1 ـ عدم معرفتهم بالأصنام فمنها ما كان مدفوناً أو في مناطق نائية لم يعلم عنها المسلمون. ذكر ذلك المقريزي (ت 845هـ) في كتابه الخطط (122/1) والزركلي في كتابه شبه جزيرة العرب (1188/4)، وهذا المانع مرفوع اليوم، فالأصنام التي يتكلم عنها معلومة ليست مجهولة. 2 ـ عدم قدرتهم على تدميرها لما يستلزمه ذلك من نفقة كثيرة وتسخير عدد كبير من العمال لمدة طويلة من الزمن، فلم تكن الآلات والمتفجرات الحديثة موجودة فيما مضى، وقد ذكر ابن خلدون في (المقدمة ص 383) «أن الهياكل العظيمة جداً لا تستقل ببنائها الدولة الواحدة، بل تتم في أزمنة متعاقبة، حتى تكتمل وتكون ماثلة للعيان، وقال أيضاً لذلك نجد آثاراً كبيرة من المباني العظيمة تعجز الدول عن هدمها وتخريبها، مع أن الهدم أيسر من البناء» ومثل لذلك بمثالين: الأول: أن الرشيد عزم على هدم إيوان كسرى، فشرع في ذلك وجمع الأيدي والفؤوس وحماه بالنار وصب عليه الخل حتى أدركه العجز.الثاني: أن المأمون أراد أن يهدم (الأهرام) في (مصر) فجمع الفعلة ولم يقدر 3 ـ ضعف السلطة وعدم إحكام سيطرتها في الأماكن النائية عن مركز الخلافة، لا سيما أنه كانت هناك ديانات توازي أعداد المسلمين إن لم يكن أكثر. وهذا المانع رفع في زمن الناس هذا وبذلك يكون من الواضح أن من علم الحكم من المسلمين المتقدمين ولم يمنعه مانع من إيقاع الحكم بهدم الأصنام هدمها، فلا يحتج بما منعهم في الزمن السابق لوجود الاستطاعة الآن، والدليل أن الأصنام هُدمت، أما من جهل الحكم من المتقدمين فنحن اليوم نعلمه، والذي يعلم حجة على من لا يعلم، أما من علمه وطبقه جزئياً أو لم يطبقه فالحجة قائمة عليه، فعدم تطبيق الحكم الشرعي من بعض المكلفين أو حتى من عمومهم لا يغير في الحكم الشرعي شيئاً، فالمكلف مأمور بالعلم ومن ثم بالتطبيق، أما النهج على سير الأقدمين تقليداً لهم مع الجهل فتلك حجة يذكرها القرآن دائماً في معرض الذم والتقريع قال تعالى: (بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإِنَّا عَلَى اثارهم مهتدون*) [الزخرف: 22]، وحسبنا أن نتدبر قول اللّه تعالى: (الَّذِينَ إِن مكناهم في الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَوة وَءَاتَوُاْ الزَّكّوةَ وَأَمَرُواْ بِالمعروفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمورِ) [الحج: 41].
ثالثاً: قولهم: «إن توقيت القرار غير مناسب، أو أنهم لو سبقوا هذا بتمهيد أو نحوه لكان أفضل». فالجواب هو: أن هذا الأمر من هذه الجهة اجتهاد في التوقيت المناسب ليس إلا، وليس اجتهاد أحد في مثل هذا الأمر ـ التوقيت ومناسبته ـ بحجة على أحد، ومن ناحية أخرى: فإن معرفة التوقيت المناسب في الحقيقة موكولة إلى أهل الاختصاص والولاية الزمانية والمكانية وهم (أي طالبان) ولاة الأمر هناك من حاكم ومن معه من علماء، هم الذين لهم الحق في تقدير الوقت المناسب، وهم مكلفون بحفظ الدين والذب عنه، بحسب المصالح والمفاسد التي يرونها هم، لا بحسب ما يراه الآخرون عن بعد! وهذا لا يمنع من اختلاف البعض معهم في تقدير الوقت المناسب، ولكنه لا يجيز سلب أهليتهم وأحقيتهم في ممارسة صلاحيتهم على أرضهم، وهو مما تقره الأعراف الدولية. والأصل أن تطبيق أحكام اللّه فور الاستطاعة فإن كان هناك خلل في التوقيت فهو في تأجيلهم هذا الأمر. قال الإمام ابن القيم الجوزيه في كتابه زاد المعاد (506): «انه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً، فانها شعائر الكفر والشرك، وهي اعظم المنكرات، فلا يجوز الاقرار عليها مع القدرة البتة، وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثاناً وطواغيت تعبد من دون اللّه، والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك، والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالتها وكثير منها بمنزلة اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركاً عندها، وبها واللّّه المستعان».
رابعاً: قولهم: «إنها دولة إسلامية ولا خوف على أهلها من عبادة الأصنام». فالجواب من وجهين: أحدهما: أنه من المقرر شرعاً أن المسلم مُخاطب بتكاليف شرعية مطالب بأدائها ومنها إزالة الشرك وآثاره، والطلب في موضوعنا هذا يقتضي تكسير الأصنام، وأيضاً فإن مظنة الشرك ليست هي العلة الوحيدة من تكسير الأصنام، بل هناك علل وحكم أخرى منها مضاهاة خلق اللّه، والعلة كما قرر علماء الأصول لا تنُقض إذا كان الحكم معللاً بأكثر من علة. الثاني: أن هذه شبهة قيلت قبل قرون وردها أئمة الإسلام، قال الإمام الحافظ الحجة ابن دقيق العيد المُتوفى سنة 702هـ في كتابه إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (359/1 ـ 360) في شرح حديث عائشة أم المؤمنين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: (إن اولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شر الخلق عند اللّه يوم القيامة)، فيه دليل على تحريم مثل هذا الفعل. وقد تظاهرت دلائل الشرع على المنع من التصوير والصور. لقد أبعد غاية البعد من قال: إن ذلك محمول على الكراهة، وأن هذا التشديد كان في ذلك الزمان، لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان، وهذا المعنى لا يساويه في هذا التشديد هذا أو معناه. وهذا القول عندنا باطل قطعاً لأنه ورد في الأحاديث الإخبار عن أمر الآخرة، بعذاب المصورين، وأنهم يقال لهم: أحيوا ما خلقتم. وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل. وقد صرح بذلك في قوله عليه السلام: المشبهون بخلق اللّه. وهذه علة عامة مستقلة مناسبة لا تخص زماناً دون زمان، وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي يمكن أن يكون هو المراد مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره وهو التشبه بخلق اللّه. وقال الشيخ العلامة أحمد شاكر ـ رحمه اللّه ـ في تعليقه على مسند الإمام أحمد (149/12 ـ 150) مجيباً على ذلك أيضاً: (وفي عصرنا هذا كنا نسمع عن أناس كبار ينسبون إلى العلم ممن لم ندرك أن نسمع منهم أنهم يذهبون إلى جواز التصوير كله بما فيه التماثيل الملعونة إلى أن قال: وكان من حجة أولئك أن تأولوا النصوص بربطها بعلة لم يذكرها الشارع ويجعلها مناط التحريم هي فيما بلغنا أن التحريم إنما كان أول الأمر لقرب عهد الناس بالوثنية، أما الآن وقد مضى على ذلك دهر طويل. فقد ذهبت علة التحريم ولا يخشى على الناس أن يعودوا لعبادة الأوثان. ونسي هؤلاء ما هو بين أيديهم من مظاهر الوثنية الحقة بالتقرب إلى القبور واللجوء إليها عند الكروب والشدائد، وأن الوثنية عادت إلى التغلغل في القلوب دون أن يشعر أصحابها بل نسوا نصوص الأحاديث الصريحة في التحريم وعلة التحريم وكنا نعجب لهم من هذا التفكير العقيم والاجتهاد الملتوي وكنا نظنهم اخترعوا معنى لم يسبقوا إليه وإن كان باطلاً ظاهر البطلان حتى كشفنا بعد ذلك أنهم كانوا في باطلهم مقلدين وفي اجتهادهم واستنباطهم مخطئين فرأينا الإمام الحافظ الحجة ابن دقيق العيد المتوفى سنة 702 يحكي مثل قولهم، ويرده أبلغ رد، وبأقوى حجة، ثم ساق كلام ابن دقيق العيد الذي نقلناه قريباً. ثم قال: هذا ما قاله ابن دقيق العيد منذ أكثر من 670 سنة يرد على قوم تلاعبوا بهذه النصوص في عصره أو قبل عصره، ثم يأتي هؤلاء المفتون المضللون وأتباعهم المقلدون يعيدونها جذعة ويلعبون بنصوص الأحاديث كما لعب أولئكم من قبل) أ. هـ. وقد عقد الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد باباً قال فيه: (باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان) وضمنه من الآيات والأحاديث ما يدل على ذلك، ومنها حديث ثوبان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد الأوثان» وهذا واقع في كل جهة من جهات المسلمين ممن يعبدون القبور ويعظمون أصحابها ويسألونهم الحاجات والرغبات ويلتجئون إليهم. وقد أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية في فتواها رقم (5068) عن سؤال هذا نصه: ما موقف الإسلام من إقامة التماثيل لشتى الأغراض؟ فأجابت: إقامة التماثيل لأي غرض من الأغراض محرمة، سواء كان ذلك لتخليد ذكرى الملوك وقادة الجيوش والوجهاء والمصلحين أم كان رمزاً للعقل والشجاعة كتمثال أبي الهول أم لغير ذلك من الأغراض، لعموم الأحاديث الصحيحة الواردة في المنع من ذلك. ولأنه ذريعة إلى الشرك كما جرى لقوم نوح . ويجب أن نلاحظ أن كل ما سبق من النقل عن العلماء الأموات والأحياء إنما هو في الكلام عن إقامة التماثيل والتصاوير المجردة، أي التي لم تؤسس على العبادة، بل لمجرد تخليد الذكرى، أو للجمال أو نحوه، فحرمت لكونها من ذرائع الشرك. فكيف بأصنام أسست للعبادة، ونحتت على أساس أنها آلهة تعبد من دون اللّه. فهذا لا جدال في أنه شرك.
خامساً: قولهم: «إن علماء الإسلام وفي أماكن كثيرة اختلفوا في هذه المسألة، وأنها مسألة خلافية فكان الأولى تركها بالكلية». فالجواب - إن سلمنا بوجود الخلاف المعتبر شرعاً- من أوجه منها: إن الخلاف ليس في أصل الحكم وهو هدم الأصنام، إنما في ما ترتب عليه من مصلحة أو مفسدة وأيهما الراجح؟ والخروج من الخلاف لا يكون إلا بالعودة إلى الأصل، وهو تطبيق حكم اللّه وعبادته بذلك، ثم إن صاحب الولاية أو العالم إذا تبين له صحة الدليل في مسألة ما، ولو كانت خلافية فإنه مأمور بالتنفيذ والاتباع، أضف إلى ذلك فإن هذا الخلاف رفع في هذه المسألة، لأن الخلاف يرفعه حكم القاضي الناظر للقضية، وكذلك حكم ولي الأمر صاحب الاختصاص، وولي الأمر هناك رأى وجوب تنفيذ النص الشرعي المقتضي للهدم، واجتهاد الحاكم الشرعي لا ينقض باجتهاد، وإلا لزم من ذلك التسلسل، إذ لو جاز النقض لجاز نقض النقض، وهكذا تفوت مصلحة حكم الحاكم وهو «قطع المنازعة» لعدم الوثوق حينئذ بالحكم وهو معنى قول الفقهاء في الفروع: لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، لأن الصحابة أجمعوا على ذلك كما أن ولي الأمر إن رجح رأياً للعلماء يعتقده أقرب لحكم اللّه عزْ وجل رُفع الخلاف، وذلك لأن اجتهاده مؤيد بالنص وهو قول اللّه تعالى: (أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُوْلِي الأَمرِ مِنكُم) [النساء: 59] فيقدم على اجتهاد العلماء الآخرين غير المؤيد بالنص ولا ينقض حكم الحاكم الشرعي إلا عند مخالفته النص الشرعي أو الإجماع، وهنا ليست ثمة مخالفة لهذين الأصلين. وهو زيادة على ذلك اجتهادٌ مؤيد بهذين الأصلين! مع أنه يحق للمخالف أن يقول بخطأ اجتهادهم إذا كان من أهل العلم الشرعي الراسخ، ولكن لا يحق لنا أن ننكر عليهم أهليتهم واختصاصهم باتخاذ القرار الذي يرونه مناسباً، أو نلزمهم بإشراكهم غيرهم لهم.
سادسا: قولهم: «ان التماثيل الموجودة في افغانستان لا تعبد فلا ينطبق عليها احكام الصنم فلا مبرر لهدمها». فالجواب: ان قولهم هذا ينقض باثبات عكسه وهو: ان هذه الاصنام (بوذا وغيرها) ما زالت تعبد من دون الله، حيث يعبدها في العالم اكثر من ستمائة مليون!! وكونهم موجودين خارج افغانستان ليس فرقا مؤثرا في الحكم، بل كما ذكرت «طالبان ان البوذيين يأتون الى افغانستان ويركعون ويتعبدون امام الاصنام، خاصة صنم باميان الكبير الذي يعتبرونه اكبر آلهتهم، مع التذكير بما قررناه سابقا من وجود علل وحكم أخرى مبينة تؤيد الهدم. وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ارسل من يهدم الاصنام في القبائل لم يأمره باستيضاح هل تعبد او لا تعبد؟ مما يدل على العموم وعدم تأثير الفرق المذكور، بل يكفي من ذلك انه كان يعبد فلو افترضنا ان جميع مَنْ على الارض مسلمون، ثم نظر احدهم الى الصنم وقال: ان هذا الصنم كان يُعبد، لكان كافيا في اقامة الحجة على هدمه مع انها قائمة بمجرد وجوده من دون ذلك وقبله كله، هذا على فرض التسليم بعدم وجود من يعبدها في افغانستان نهائيا وهو محل نظر. سابعا: قولهم: «إن الاصنام تراث انساني لذا فهي محترمة يجب الحفاظ عليها» هذه مغالطة، فالتراث الانساني الصحيح هو تراث الانبياء والرسل، اما تراث من خالفهم فهو تحريف للتراث الانساني، فإذا كان كذلك تكون ازالة الاصنام عودة للتراث الانساني الصحيح، وتحريرا له من عبودية الاحجار والاشجار والحيوان. والحرية من كل استعباد ليس لله عز وجل، هو ما يجب ان يطالب به كل مثقف ومفكر يحترم الانسان ويرفعه الى الدرجة التي تجعله اشرف من ان يكون عبدا لغير الله، فما بعث الرسل إلا لاخراج الانسان من داعية هواه الى العبودية لله اختيارا كما هو عبد لله اجبارا، فكيف بعد ذلك نقبل للانسان ان يستعبد نفسه لهواه، او لما هو ادنى من ذلك من الاحجار والاشجار والحيوانات، فالعاقل لا يقر ولا يقول بذلك، فهذا هو احترام الحضارات الحقيقي لا غيره، ويبقى التراث الذي لا يتعارض مع هدي الرسل ولا يخالفهم فهذا لا بأس بحمايته والمحافظة عليه.
ثامنا: التفريق بين التماثيل والاصنام، حيث قالوا: «إن الاصنام هي التي تعبد من دون الله، اما التماثيل فهي التي لا تعبد، وقد جاء ذكرها في القرآن في سياق الامتنان». فالجواب: ان التي هُدمت في افغانستان اصنام، والتماثيل كما جاء عند المفسرين هو ما صنع على هيئة صور من انسان او حيوان لا ليعبد. اما اذا صُنعت لتعبد من دون الله فهي اصنام مهما سماها الناس. والتي كانت تصنع لسليمان هي النوع الاول وقد كانت مباحة في شريعتهم، حيث يقول ابن كثير في البداية والنهاية: (1 / 473) في قصة سليمان عليه السلام وما جاء في القرآن من ذكر عظمة ملكه وتسخير الجن له قال: ( وتماثيل ) هي الصور في الجدران، وكان هذا سائغا في شريعتهم وملتهم». اي مجرد التصوير في الجدران وليس التصوير للعبادة. اما الاصنام المجسمة اي التماثيل التي تُصنع للعبادة فلم تكن قط جائزة في شريعة الانبياء، فلا قياس. والتمثال لغة: اسم للشيء المصنوع مشبها بخلق الله، وجمعه التماثيل واصله مثلت الشيء بالشيء، ويكون تمثيل الشيء بالشيء تشبيها، واسم ذلك الممثل تمثال والتشبيه مضاهاة. جاء في فتح الباري من صحيح البخاري (1 / باب قوله براءة) قوله: (يضاهون: يشبهون) وصله ابن ابي حاتم عن طريق علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: «يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون» (التوبة: 30) اي يشبهون. وقال ابو عبيدة: المضاهاة التشبيه. ثم ذكر حديث البراء في آخر آية نزلت وآخر سورة نزلت. والمضاهاة لخلق الله محرمة لقوله صلى الله عليه وسلم: «أشد عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله».
لذلك نقول: ان كل تمثال هو تشبيه ومضاهاة لخلق الله ورد النص بتحريمه. اما ما ورد في الآية الكريمة عن التماثيل في قوله تعالى: «يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور» (سبأ: 13) فهو بالاضافة الى ما ذكر شرع من قبلنا، ولا خلاف بين المسلمين ان الشريعة الاسلامية قد نسخت جميع الشرائع السابقة على وجه الاجمال ولا خلاف ان ما نقل إلينا مقترنا بما يدل على انه مشروع في حقنا ان مثل هذا ملزمون بالعمل به ومطالبون به بمقتضى اصولنا لا لأنه شرع من قبلنا ولا خلاف في ان التماثيل انتقلت إلينا مقترنة بدليل انها منسوخة في حقنا، ولا خلاف في ان ما انتقل إلينا من شرع من قبلنا مقترن بدليل النسخ فإن مثل هذا ليس بشرع لنا، ولا يجوز العمل بمقتضاه. اضف الى ذلك ان الاصل في الشرائع الماضية الخصوص، قال عليه الصلاة والسلام (وكان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة). ومن ناحية أخرى فإن الشريعة من قبلنا كانت تحتمل الخصوص في المكان، اي كانت مختصة بمكان معين حين وجب العمل بها على اهل ذلك المكان دون مكان آخر، كرسولين بعثا في زمن واحد في مكانين مثل ابراهيم ولوط عليهما السلام. لذلك يحرم شرعا تعميم شرع من قبلنا زمانيا ليشمل كل العصور ومكانيا ليشمل كل الارض إلا بعد عرضه على احكام الاسلام، واعتقاد جواز التماثيل اعتمادا على شرع من قبلنا مباشرة من دون عرضه على الاحكام الشرعية يعد مخالفة للاختصاص الزماني والمكاني لرسالة نبي الله سليمان عليه وعلى نبينا السلام وافتئات على ما ميز الله به خاتم الانبياء والمرسلين وسيدهم وامامهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا التميز هو اطلاق رسالة الاسلام الخاتم زمانيا الى قيام الساعة، ومكانيا لتشمل الكون من دون استثناء. تاسعا: قولهم: «بأن الضرورة في مثل حال طالبان تقتضي عدم الهدم». فالجواب: هو ان الضرورة - على فرض وجودها وتحققها - لا تغير الحكم الشرعي الاصلي و لا تعني تناسيه او تجاهله، فهي تقدر بقدرها، وهم اهل الشأن في تقديرها، وينبغي على فرض العمل بالضرورة ان يبقى حالة استثنائية، ويتخذ المعني بالامر كافة الاجراءات الرافعة للضرورة والمؤدية لتطبيق الحكم الشرعي، واهمال ذلك يعد احتيالا والغاء للحكم الشرعي، وقد نفسر انتظارهم لسنوات قبل هدمها بأنهم كانوا في حالة ضرورة انتهت في تقديرهم، فرفع المانع من ايقاع الحكم الشرعي، فعاد الهدم على الاصنام فهدمت. والحمد والمنة لله وحده. عاشرا: قولهم: «إن غير المسلمين سيلحقون الضرر الفادح بالاقليات المسلمة ردا على هدم الاصنام» وهذا مردود عليه من عدة جوانب: 1 ـ الجانب الديني: فدينهم لا يطالبهم بمنع المسلمين من تطبيق احكامهم، ونحن نطبق احكام الاسلام في ارضه ولا يوجد في افغانستان احد من البوذيين حتى يمكن لهذه الدول ان تدعي حمايته فلا موجب للانتقام، خاصة اذا علمنا ان بوذا نفسه لم يطلب منهم اقامة صنم له او عبادته، بل منعهم من ذلك. 2 ـ الجانب السياسي: فإن دولهم ـ غير المسلمين ـ علمانية لا يحكمها الدين وسياستهم تطالبهم باحترام احقيتنا في تطبيق ديننا على ارضنا فلا موجب سياسيا للانتقام. 3 ـ اجتماعي: فالبوذيون يصنعون ويبيعون ويشترون ويؤجرون ويسوقون اصنامهم التي يظلون لها عابدين، واذا انكسر صنمهم الذي يزينون به بيوتهم رموه واستبدلوا به جديدا، فلا داعي لديهم للحساسية المفرطة كما هي عند بعض المسلمين، نسأل الله لهم الهداية ، فهؤلاء الهندوس من عبدة الابقار تؤكل آلهتهم يوميا وهم لا يعادون من اكلها، فلا مسوغ للتخذيل والتهديد بالعداء ضد الاسلام والمسلمين. وكأنه سيبدأ اليوم فكل ما يهدد به المسلمون واقع منذ زمن في انحاء كثيرة من الارض والتهديد بالشيء لا يستقيم إلا اذا كان قبل وقوعه اما بعد الوقوع فالغالب يكون تخذيلا للمسلمين خشية ان يفعلوا شيئا.
حادي عشر: قولهم: «ان عدم هدم الاصنام من باب سد الذرائع» وذلك للأسباب الآتية: 1 ـ قولهم: «ان الله نهى عن سب آلهة المشركين سدا لذريعة سب الله سبحانه وتعالى، فينبغي قياسا عليه عدم هدم اصنامهم». والجواب: ان سب آلهتهم منع لأنه قد يؤدي لسب الله عز وجل، فالقضية قضية مفسدة ورد النص بدرئها مقابل مصلحة ورد النص بجلبها وهي الامر بهدم الاصنام. فهذا هو معنى الوجوب في الاوامر الشرعية وهو لا يكون إلا لمصلحة بدلالة النص، لذا نقدم مصلحة تطبيق الحكم الشرعي، بالاضافة الى ان تطبيق الحكم الشرعي يستحيل ان يكون ذريعة لمفسدة، وايضا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هدم الاصنام جميعها وازالها مع وجود احتمال سب الله، وغضب المشركين لم يمنعه من ازالتها. وفي عمل الرسول صلى الله عليه وسلم دليل على ان هذا النهي عن سب آلهة المشركين يناسب التدرج في الدعوة في بدايتها فلا ينطبق على ما قامت به طالبان. 2 ـ قولهم: «ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عدم كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) وعدم كتابة (محمد رسول الله) وكتب عوضا عنها باسمك اللهم، ومحمد بن عبد الله وكان ذلك في صلح الحديبية، وان ذلك كان من باب سد الذرائع وهذا مثله». والجواب: ان هذا قول مردود عليه، وذلك لأن الله رحمن رحيم سواء كتبت في صلح الحديبية ام لم تكتب، وكذلك فإن محمد بن عبد الله هو اشرف الانبياء والمرسلين سواء آمن من يشاء الله له الهداية او كفر من يشاء الله له الكفر، فلا اثر لذلك في الحكم الشرعي، فلا يمكن تسويته بما يكون الاختلاف فيه اختلافا بالحكم الشرعي. فهدم الاصنام واجب وعدم هدمها حرام، فلا يستويان. ومثال صلح الحديبية لا يتغير فيه حكم الله، اما مثال بقاء الاصنام ففيه تغيير لحكم الله فلا يستويان، كما انه لم يأذن لهم ان يبدءوا باسماء آلهتهم بل بدأ باسم الله عز وجل، وترك التعبير باسمه عز وجل الذي لم يرتضوا التعبير به (الرحمن)، قال الله تعالى: «قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا» (الاسراء: 110). 3 ـ قولهم: «إن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك مصلحة بناء الكعبة على قواعد ابراهيم عليه السلام درءا لمفسدة افتتان مسلمي قريش وهم حديثو عهد بالاسلام يقاس عليها ابقاء الاصنام درءا لمفسدة تأليب الكفار على المسلمين». الجواب: لا قياس وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خشي على الذين دخلوا في الاسلام قريبا، الفتنة بالردة الى الكفر، ذكر ذلك محمد البرهاني في كتابه سد الذرائع صفحة (418) بينما صيانة التماثيل بالابقاء هو الشرك، وفي هدمها حكم الاسلام فكيف نسوي بين ما كان ابقاؤه حفظا للمسلمين من فتنة الكفر وهدمه فتنة للمسلمين في دينهم وبين ما كان ابقاؤه فتنة للمسلمين في دينهم وهدمه حفظا للمسلمين من فتنة الكفر ثم ان الرسول صلى الله عليه وسلم خشي على حديثي العهد بالاسلام الردة الى الكفر، فهل يخشى العالم على بعض المسلمين الردة الى الكفر لهدم الاصنام، الواقع ان العكس هو الصحيح، اضف الى ذلك ان القياس الصحيح هو ان نترك مصلحة ابقاء الاصنام وهي: ارضاء غير المسلمين درءاً للمفسدة المحضة وهي الشرك بالله ليس لرجحان المفسدة فقط، بل لكون المصلحة المعارضة ملغاة بالنص لقول الله تعالى: «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل ان هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير» (البقرة: 120).
ثاني عشر: قولهم: «إن هدم الاصنام في افغانستان يترتب عليه مفاسد راجحة على مصالح هدمه» الجواب: وهو ان حديثهم عن المصالح والمفاسد وليس في اصل الحكم الشرعي، وهذا مجال اجتهاد واسع، فقد تكون النظرة الاولى والقريبة ترجح كون المفاسد المترتبة على الهدم اكبر من المصالح، إلا ان هذه المفاسد المباشرة مع احتمال كونها اكبر مرجوحة، والمصلحة راجحة عليها، ووجه ذلك: ان المفاسد التي يذكرونها مؤقتة ظنية ممكنة الحدوث من عدمه، والمصلحة هنا قطعية دائمة، فهي قطعية، لأن بها يتحقق مقصود الشارع، ودائمة لأن ازالة الاصنام ازالة دائمة بإذن الله لمظان الشرك وصوره، والمفسدة التي يذكرونها هي: خشية الاضرار بالمسلمين ومقدساتهم، وهو قول ضعيف عند التحقيق وقد لا يحصل، لذا فهو مظنون واذا كان نسبيا فهو لا يدوم، فضلا عن ان اعداء المسلمين لن يمتنعوا عن ايذاء المسملين اذا لم تهدم الاصنام، فها هم اولاء يؤذون المسلمين في كل مكان من دون هدم صنم او غيره، فكم هدموا من مساجد وآذوهم في صلواتهم وشردوهم من بلادهم. وخلاصة ذلك اولا: ان المفاسد المتوقعة من هدم الاصنام موجودة ومستمرة من دون الهدم، وزيادتها بعد الهدم مظنونة، وهي على كل حال مؤقتة، وانقطاع المفاسد ان تركت الاصنام لن يكون يقينا . ومن الممكن ان يحدث العكس اذا احس غير المسلمين ان هدم الاصنام بداية رد فعل على ما يحدث في اماكن كثيرة. وقد يتفهمون اهلية المسلمين ان يتصرفوا في اوطانهم بما يمليه عليه دينهم. ثانيا: ان المصلحة من انفاذ امر الله يقينية وهي ايضا دائمة في الدنيا والآخرة. لذا فالمفاسد الظنية المؤقتة اقل واحقر من ان تقدم على مصالح يقينية دائمة، لذا فالمصلحة راجحة بوضوح في هدم الاصنام لا العكس. واما ما يتمثل فيه الكثيرون من هدم المسجد البابري في الهند قبل سنوات، فالناظر الى مصلحة الاسلام والمسلمين بالتجرد من العواطف التاريخية قد يرى ان المصلحة كانت في ان يتفق المسلمون وغير المسلمين على هدم المسجد، وتعويضهم عنه بأرض اكبر لبناء مسجد جديد، وتسهيلات اكبر لتعليم المسلمين امور دينهم، وإذن لبرزت سماحة الاسلام وفي ذلك فائدة عظيمة وهي: استبدال مسجد فيه شبهة التقديس بآخر ليس فيه شبهة التقديس.
ثالث عشر: قولهم: «لا توجد مصالح واقعية تحققها طالبان من هدمها الاصنام» الجواب: انه تتحقق مصالح واقعية من تطبيق طالبان لحكم الله، وهذا شأن كل حكم شرعي انه يقود صاحبه الى مصالح عاجلة وآجلة، فإن أعظم المصالح على الاطلاق اقامة التوحيد وتشييد اركانه، وهدم الشرك وآثاره، ولا توجد مفسدة أعظم من ترك صروح الشرك الوثنية عند القدرة عليها، وتأمل في قصة ابراهيم عليه السلام المذكورة في القرآن الكريم كيف جعل الاصنام جذاذا ولم يبحث عن مصالح أخرى او ينظر لمفاسد موهومة يمليها الشيطان على الرغم من عدم وجود المعين ومن تسلطهم عليه، ومن المصالح مشاهدة من يعبد هذه الاصنام لها وهي تكسر وتهدم ولا حول لها ولا قوة مما قد يؤثر في العقلاء فيؤثر في غيره، والله على كل شيء قدير قال العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الاحكام (1 / 122): «محو الكفر وازالته من قلوب الكافرين ومن ألسنتهم، وكتخريب كنائسهم وكسر صلبانهم وأوثانهم، حق الله في الجهاد». وكما ذكرنا سابقا فإن الذي له حق تقدير المصالح والمفاسد هو ولي الامر، لأن عمله وحكمه منوط برعاية مصلحة الدين واهله وهم ـ في هذا المثال ـ حكومة «طالبان» التي تفرض سيطرتها على 90% من أراضي افغانستان، ومن أهم المصالح وأكبرها إبراء ذمتهم التي لم تكن لتبرأ الا بتطبيق حكم الله عز وجل.
رابع عشر: قولهم «إن جماعة طالبان لم تقم بهدم الأصنام بنية خالصة لله» الجواب: هو أن نية طالبان سواء كانت خالصة لوجه الله أم لم تكن، لا يغير ذلك من الحكم الشرعي، ويبقى هدم الأصنام واجبا. وينحصر تأثير النية في حصول الأجر من الله عز وجل لهم، فإن أقاموا الواجب بنية تطبيق حدود الله، استحقوا الأجر العظيم على ذلك، وان هم اقاموه لغير ذلك لا يؤجرون عليه، الا انه يبقى لزاما علينا تأييد من يطبق أحكام الله في الأرض، سواء قصد بها العبادة أم لم يقصد، ولا أنزه طالبان عن الخطأ والزلل ولا أزكيها، فلا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أني أجد نفسي مطمئنا الى أن هذا التصرف ليس من اخطائهم بل يعتبر من حسناتهم. ومن المعلوم أن معرفة النيات هو من اعمال القلوب ومما اختص الله تعالى به وقد قال لرسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز: (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نع
بقلم الأمير عبد العزيز بن سطام بن عبد العزيز تماثيل باميان: شبهات وردود