السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إفلاس الشركات أم الشركاء
الأسهم تطفو على ضفاف الخليج كالسمك الميت
أحاول في هذا المقال ان القي الضوء على آثار الازمات المالية والنفسية لسوق المال المحلي منها والخارجي. فعندما كتبت في 2005/10/14في "الرياض الاقتصادي" تحت عنوان الاسهم في الخليج الى الخليج كان المنادون بطرح كل الكينونات الاقتصادية للاكتتابات العامة هم اصحاب الاصوات المسموعة ولا زال الاصرار على ذلك مستمرا. والآن نواجه الواقع، فها أنا أرى الاسهم تطفو على ضفاف الخليج كالسمك الميت ولا من مهتم بتجميعها. بينما كان الكثير ممن لهم تأثير ينادون بتحويل كل الشركات تقريبا الخاصة الى مساهمات غير مضمونة. وفي 2006/2/30ذكرت في نفس الصحيفة من احتمالية تكرر ازمة 1929نظرا لتشابه الظروف التي تسبق الانهيارات. ثم في 2007/6/2كانت هناك قراءة مستقبلية لي عن ما سيحل بالاقتصاد العالمي والخليجي بصفة عامة في 2010ولم اكن لاذكر ما كتبت كي اميز نفسي عن غيري ولكني أود ان أظهر وجهة نظر لكثير مثلي الذين يتمنون ان نبني اقتصاداً قوياً مرتكزاً على بناء الانسان ولذا وجدت ان السبيل للخروج من المأزق هو الانصراف عن تضخيم رؤوس الاموال والتركيز على بناء الفرد وعبرت عن ذلك في ما نشر لي في "الرياض الاقتصادي" في 2008/7/4.وكل ما ذكرته من وجهات نظر كانت مرتكزة على استنتاجات من تجارب الغير وما كتب في ذلك من دراسات. وها نحن الآن في الربع الاخير من عام 2008حيث نجد ان عصر المفاجآت قد اقبل في حلة جديدة، فنابشو القبور ومكفنو الموتى هلّ موسمهم واصبح القهوجي وعامل النظافة هو من يديران الشركة في وقت هلاك الكلالة. لا شك ان الاتجاه الى تضخيم رؤوس الاموال وتحفيز الجو الاحتكاري وترسيخ دعائم الرأسمالية الفاشية اثبت عدم قدرتها على النجاح وأصبح البعض يزعم ان ما لديه هو الانجع. ذلك ان تناقص القيم الانسانية تدفع باتجاه تفشي حب الذات والانانية. فبينما يرى الدكتور ماكراكن مستشار الادارة الاقتصادية للرئيس الاميركي نيكسون في عام 1969ان تهدئة الاقتصاد قد تكون ضرورية في الحد من التضخم الا ان غض النظر عن تفاقم مشكلة البطالة يعقد الوضع العام بينما يرى السيد اندرو ميلون 1855- 1937ان تسييل كل شيء سوف يمكن من تقييم كل شيء او اعادة تقييمها لوضعها في المقام الصحيح. انتهى.. ولكون الاقتصاد العالمي اصبح متشابكا الى حد بعيد نرى تأثر جميع الاقتصاديات بعضها ببعض. فعمليات الاستحواذ التي نهجتها الكثير من الشركات من خلال الاستيلاء على مدخرات الافراد قد تؤدي بهم الى الافلاس الى حد بعيد، وليست الخصخصة الا نمط من انماط تضخيم رؤوس الاموال مع احتوائها على خطورة تحول المال المشاع للجميع الى ملكية لافراد محددين، وعودة الى عمليات الاستحواذ الاستثمارية التي قد تجعل من استعادة المستثمرين الاجانب لاموالهم مستحيلا استردادها خصوصا اذا خضعت لاعادة التقييم فيما لو اعيد احياء النظريات القديمة التي اعقبت النكسة الاقتصادية الاولى.
وهذا ما يؤكد الفارق بين من يبحث عن الارباح المحاسبية وبين من يهتم بالارباح الاقتصادية. ومع طفو المشاكل الاقتصادية لبعض برامج القواعد الرأسمالية وفضح فسادها، تتجه نفس القطاعات العامة الداعمة للفساد الرأسمالي الحر الى الاستحواذ على قطاعات كبيرة من الاقتصاد نفسه لجعله تحت عباءة الملكية العامة، وما دعم القطاعات الخاصة التي تعاني من افلاس وشيك او واقعة في مجرات الافلاس إلا تحقيقا لهذه النظرية.
وبدون الاسترسال في هذا الموضوع اود ان انتقل الى تجسيد الصورة التي ارجو الا تتحقق في احتمال تحول المساهمين اى مقرضين وبالتالي يتم التنازل عن اسهمهم تلقائيا.
رسم الصورة:
ان التدني المتواصل في القيمة السوقية للاسهم يفقد السوق الكثير من المحفزات على حد سواء للمستثمرين وللمضاربين. كما ان تدني العوائد على الاستثمار هي من اكبر المحبطات في هذا المجال. والصورة الاخرى هي ارتفاع العوائد من النشاط مع مواجهة خسائر نتيجة لفقدان استثمارات خارج نشاط الشركة. اضف الى ذلك سياسات عدم توزيع ارباح مجزية نتيجة للتوجه نحو تضخيم رؤوس الاموال الذي سوف يؤدي الى خفض العائد العام. وهذه الظروف بمجملها سوف تدفع الى التوجه الى البيع الجماعي للأسهم مما سيؤدي بالتأكيد الى انخفاض عام ومطرد لسعر السهم في السوق، وهذا الانخفاض سيدفع الى تدني الطلب على شرائه اذا لم ينعدم الطلب اصلا، وهناك امثلة كثيرة من مشاهداتنا في العام الماضي. وكنتيجة ضرورية سوف يسمح للشركات لشراء اسهمها لانقاذ سمعتها واسهمها وانقاذ السوق وهو ما سوف تقره هيئة سوق المال. ولكون الشركة عاجزة اصلا عن توزيع ارباح لحاجتها الى السيولة، مع احجام مغلف للبنوك عن الاقراض، فان المساهمين سوف يتجهون الى الشركة مباشرة دون الحاجة الى عرضها عن طريق سوق الاسهم بقيمتها الاسمية وقد تتدنى القيمة السوقية في السوق فتكون دون القيمة الاسمية ناهيك عن تلك التي طرحت بعلاوة اصدار. واني اتخيل الشركات انشأت مكاتب خاصة لاستقبال معيدي الاسهم لها بالقيمة الاسمية دون الحصول على قيمتها فورا. واذا قررت الشركة ووافقت على شراء اسهمها بالقيمة الاسمية فانها سوف تحول المساهم من مساهم الى دائن على ان تسدده متى ما توفرت السيولة. ثم لن يكون للمساهم اولوية السداد لذا عليه ان ينتظرحتى يأتي دوره. ولكن خلال فترة انتظارة لن يستفيد من الحصول على ارباح لانه لم يعد مساهما. اما اذا قررت الشركة ان ترحل حملة الاسهم الراغبين في البيع الى ان يكونوا ضمن حقوق الملكية ليصبح مجموع القيمة الاسمية للأسهم المستردة في بند جاري الشركاء الدائن كممولين قد تتعدل القرارات لتجيز هذا الاجراء. وبافتراض مستمر لتعاقب الخسائر على الشركة فان قرار الجمعية العمومية لاطفاء الخسائر في الجاري الدائن قد يكون اقرب الى النفوس من غيره تحسينا لصورة مركزالشركة المالي. وبهذا يسدل الستار عمن باع اسهمه الى الشركة، اما من احتفظ باسهمه فلن يكون احسن حالا في حالات الخسارة المتلاحقة. وانا اذ ارسم هذه الصورة القاتمة لمستقبل الاستثمارات الخاصة فاني لا اجزم بعدم وجود العلاجات المؤقتة او الجذرية، الا ان احتمال العزم على تنفيذها ليس له اي علامات تلوح في الافق. وعموما فالسؤال الاكثر اهمية هو : هل لسلوك المستثمرين في سوق المال وتغير القيمة السوقية للسهم اثر على انتاجية الشركة وادارتها في الصمود؟؟ اترك الاجابة على هذا السؤال من خلال المشاهدة لواقعنا المعاصر.