السلام عليكم ورحمة الله ويركاته
تحول الشراء بالتقسيط إلى عنصرٍ أساسي في حياة الكثير من السعوديين، مع تأزم ظروف المعيشة وخاصةً لذوي الدخل المحدود؛ بسبب موجات الارتفاع المستمرة للأسعار، إضافةً إلى خسائر سوق الأسهم السعودية التي لحقت بالكثيرين، وكثرة أعداد الشبان المقبلين على الزواج، مما أدى إلى تضاعف طلبات الشراء بالتقسيط إلى 60% في مقابل 30% قبل عامين.
وأسهمت هذه العوامل في ارتفاع طلبات الشراء بالتقسيط، في وقتٍ يرى عاملون في هذا القطاع أن نظام البيع بالتقسيط يحتاج إلى المزيد من شركات التقسيط للأجهزة الاستهلاكية، حيث إنها تعد قليلة مقارنةً بحاجة السوق وعدد السكان، إضافةً إلى وجود ثغرات في نظام البيع بالتقسيط، وافتقاده لضمانات صارمة تحفظ حقوق المستثمرين من الضياع.
ويتوقع عاملون في مجال البيع بالتقسيط نموًا كبيرًا لهذا القطاع، وخاصةً أن موجات الغلاء لم تتوقف، مع ظهور الأزمة المالية في أمريكا وأوروبا، وما تبع ذلك من شح السيولة، والتي قد يتأثر بها السوق السعودي، ويقدر هؤلاء نسبة مبيعات التقسيط مقابل المبيعات العامة بنحو 75% مقابل 25% عن طريق النقد.
وفي وقتٍ يتنامى البيع بالتقسيط يحذر البعض من النتائج السلبية لتلك الظاهرة، موضحين أنها تؤدي إلى انتشار النزعة الاستهلاكية، بشكلٍ قد يكون له تأثير سلبي على رصيد الادخار المحلي.
وكان مجلس الوزراء السعودي أصدر نظام البيع بالتقسيط العام 2005، بهدف تنظيم نشاط البيع بالتقسيط وحفظ حقوق جميع الأطراف من بنوك وشركات تقسيط إضافةً إلى المقترضين سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات، وتقوم وزارة التجارة والصناعة بالتعاون مع الغرف التجارية بالإشراف ومتابعة تطبيق النظام
أسباب نمو الشراء بالتقسيطوقال مدير عام مؤسسة الصلاح التجارية صلاح العسكر إن طلبات الشراء بالتقسيط في الرياض تضاعفت خلال العامين الأخيرين، وزادت من 30% قبل عامين إلى أكثر من 60% العام الحالي، ويقوم الأفراد بشراء جميع السلع مثل السيارات، الأجهزة الكهربائية والأثاث.
وأضاف في تصريحاتٍ لموقع "الأسواق.نت" أن هناك عوامل تراكمية عديدة أسهمت في زيادة الطلب على الشراء بالتقسيط، ولعل من أبرزها الخسائر التي تعرض لها المواطنون جراء انخفاض سوق الأسهم، وكذلك ما تشهده بعض المساهمات العقارية من ركود.
وأوضح أن من العوامل أيضًا الظروف الشخصية للكثير من الأفراد وخاصةً المقبلين على الزواج، وأخيرًا ارتفاع أسعار الكثير من السلع بشكلٍ كبير، جميع هذه العوامل دفعت الكثير من الناس إلى التوجه للتعامل بالتقسيط.
لا أرقام محددة عن حجم سوق التقسيطوعن حجم سوق مديونية تقسيط الأفراد في سوق الأثاث والأجهزة الكهربائية، قال العسكر إنه من الصعب تحديدها؛ وذلك لامتناع تلك الشركات والمؤسسات المتخصصة في مجال التقسيط عن الإفصاح عن الأرقام الواقعية والصحيحة لديها، لعدم وجود الإحصاءات اللازمة.
وعن أسباب عزوف بعض رجال الأعمال عن الاستثمار في شركات تقسيط الأثاث والأجهزة الكهربائية، أوضح العسكر أن هناك عددًا من الأسباب، منها: وجود ثغرات في أنظمة هذا الاستثمار، وافتقاده لضمانات صارمة تحفظ حقوق المستثمرين من الضياع، إضافةً إلى ارتفاع الأسعار، وزيادة أعداد المتعثرين في سداده، مما يحدُّ من انتشار هذه الشركات في السوق السعودية.
وأشار العسكر أن شركات التقسيط في الأجهزة الكهربائية والأثاث المباشرة والمعروفة في الرياض قليلة جدًا، بالنسبة لحاجة السوق ولعدد السكان، كما تعد السوق من أحدث أسواق التقسيط، حيث لا تمثل نسبة كبيرة من سوق التقسيط في المملكة مقارنةً بالسيارات والعقار.
وبشأن كيفية تحصيل الأقساط قال العسكر إنه يوجد بكل شركة عددٌ من أقسام التحصيل الخاصة والتي تعتمد عليها، حيث تقوم بتخصيص مجموعة من الأشخاص لديها لحثِّ المتعثر بالتسديد، وأخرى للتهديد المتعثر بتحويل الملف للجهات المختصة مثل الحقوق المدنية أو هيئة الفصل في المنازعات أو المحاكم، وأخرى لتقديم الشكاوى.
وبرر العسكر تفاوت سعر التقسيط وفترة السداد من شركة إلى أخرى بقوله إنه يحق لكل شركة تقسيط تحديد السعر المناسب لها، والذي يتحكم في فترة السداد وفي مبلغ التقسيط بالنسبة لشركات التقسيط هو دخل المشتري والتزاماته ومديونيته- إن وُجدت- لدى شركات تقسيط أخرى.
ويقدر مدير عام مؤسسة الصلاح التجارية نسبة مبيعات التقسيط مقابل المبيعات العامة بنحو 75% مقابل 25% تكون عن طريق النقد، وأغلب الأشخاص الذين يقبلون على التقسيط هم من ذوي الدخل المتوسط، وفئة الشباب المقبلين على الزواج.
وطالب العسكر بإيجاد قاعدة بيانات عن عملاء التقسيط لدى جميع شركات التقسيط، وإلزام الشركات بتغذية هذه البيانات أولاً بأول، مشيرًا إلى أن الغرف التجارية عملت منذ مدة مثل هذه القاعدة إلا إنها واجهت عدم تعاون من بعض الشركات والبنوك في المشاركة في هذا البرنامج أو في عدم تحديث البيانات.
حماية حقوق المقترضينويقول الخبير الاقتصادي مطشر الراشد إنه من الضروري أن تركز الجهات المسئولة عن تطبيق النظام على وجود بنود تضمن الحماية لحقوق الأفراد المقترضين، وتناقش الطريقة التي يتم من خلالها احتساب الرسوم والفوائد على القروض.
وأضاف لموقعنا أن الجهات المقرِضة مثل البنوك وشركات التقسيط تتحرك بشكلٍ مدروس لتقليص مخاطر القروض الشخصية وأنشطة التقسيط، وقد أوجدت البنوك بالتعاون مع مؤسسة النقد شركةً للمعلومات الائتمانية لجمع المعلومات عن المقترضين وأنشطتهم، وكذلك هناك لجنة تحت مظلة الغرفة التجارية تضم في عضويتها شركات التقسيط.
وذكر أنه على رغم ذلك لم يتم تحديث الطريقة التي تُحسب من خلالها العمولات والفوائد على القروض والأقساط، فنجد أن الشخص المقترض يجبر على دفع رسوم وعمولات مرتفعة جدًا، وقد يحتاج الوضع لتدخل مباشر من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي للحد من احتساب الرسوم والفوائد بالطريقة المركبة؛ أي جعل المقترض يستمر في دفع عمولات وفوائد على مبالغ تم تسديدها.
وقال حين يقترض الشخص 100 ألف ريال لمدة خمس أعوام بسعر 5%، فإنه يسددها 125 ألف ريال
نتائج سلبيةمن ناحيته، حذر عضو بلجنة التقسيط بغرفة الرياض من النتائج السلبية لظاهرة البيع بالتقسيط المنتشرة في السعودية، موضحًا أنها تؤدي إلى انتشار النزعة الاستهلاكية، لا سيما أن 30.4% من المشترين بالتقسيط يلجأون إليه لشراء سلع كمالية وترفيهية، الأمر الذي قد يكون له تأثير سلبي على رصيد الادخار المحلي في الاقتصاد الوطني.
لكن المصدر -الذي فضل عدم ذكر اسمه- أوضح في حديثه لـ"الأسواق.نت" أن النظام له إيجابيات تتمثل في تمكين العديد من التجار والموزعين من زيادة وتنشيط مبيعاتهم والتغلب على مشكلة تراكم المخزون السلعي.
ونبَّه إلى أن الكثير من المشترين يستغلون التعامل بالتقسيط ليس بهدف اقتناء السلعة والانتفاع بها؛ وإنما لإعادة بيعها مرةً أخرى بسعر أقل لكن بشكل فوري ونقدي لتوفير السيولة.
ورأى أن البيع بالخسارة أصبح منتشرًا بشكلٍ كبير قد يكون له أثر إيجابي إذا تم استغلال الثمن الفوري لبيع السلعة في استثمار يحقق عائدًا يفوق مقدار الخسارة الناجمة عن الفرق بين السعر بالتقسيط والسعر الفوري، في حين قد يكون لها تأثير سلبي إذا قام الفرد باستغلال الثمن الفوري للسلعة في تلبية متطلبات استهلاكية أو لتغطية العجز في السيولة دونما التوجه لاستثمار هذه القيمة بما يحقق عائدًا.
وحذر من أن البيع بالتقسيط قد يدفع إلى ظهور حالات غير تقليدية من الغش تقوم على خداعٍ للمستهلك في الشروط المعلنة والمتفق عليها، وخاصةً فيما يرتبط بقيمة العمولة، وأنه يمكن أن يؤدي إلى تعميق النزعة الاستهلاكية لدى الأفراد.
ولفت إلى أن 17% من الذين يشترون بالتقسيط يفضلونه لسهولة شروط التعاقد، لكنه في الوقت نفسه يمكِّن نسبةً مهمة من المستهلكين تقدر بنحو 40% من مواجهة الزيادة في مستويات الأسعار، حيث إنهم يتجهون إليه للحصول على كثيرٍ من متطلباتهم الاستهلاكية والمعيشية.
المشترون بالتقسيطوأظهرت دراسةٌ أجرتها غرفة الرياض عن نظام البيع بالتقسيط أن أغلبية المشترين بالتقسيط هم من الذكور ممن تتراوح أعمارهم بين 35 إلى 45 عامًا من المتزوجين، وتتكون أسرهم من 3 أفراد إلى 6 أفراد، وهم في العادة من موظفي القطاع الحكومي، ويزيد مستوى دخلهم الشهري عن 8 آلاف ريال.
وأوضحت أن تلك الظاهرة قد تساهم بشكلٍ كبير في زيادة فاتورة الواردات، حيث إن توسع البنوك في توفير القروض الاستهلاكية، وإتاحة تسهيلات التقسيط تتسبب في زيادة مقدرة المستهلكين على شراء منتجات معمرة مثل السيارات، مما يؤدي إلى ارتفاع طلب القطاع الخاص على استيراد المزيد من هذه المنتجات.