أطلق فائض الميزانية الضخم العنان لطيف واسع من الآمال لدى شرائح مختلفة من المجتمع السعودي، انصبت في غالبها على قضايا تأمين العمل والسكن ورفع مستوى الدخل الفردي.
وعزز تحقيق 590 ملياراً إضافية خلال 2008 من احتياطيات الميزانية السعودية برقم فاق التقديرات الأولية 15 مرة، رافعاً إجمالي الفوائض التي تراكمت طيلة السنوات الخمس الماضية إلى ما يقارب 1400 مليار ريال، ( الدولار يساوي 3.75 ريال).
دعم مشروعات السكن والضمان واعتبر رجل الأعمال عبد الرحمن الزامل أن الدولة لم توفر جهدا في التجاوب مع متطلبات المواطنين على اختلافها، بدءا من التعليم والعمل وانتهاء بالإسكان، من خلال برامج تنموية متواصلة ومدروسة بعناية.
وقال الاقتصادي الذي يشغل عضوية مجلس الشورى السعودي لـ"الأسواق نت": إن ما يأمله البعض من ضخ مباشر للأموال في الجيوب إجراء غير مجدٍ وصعب التنفيذ، علاوة على عدم وجود أساس قانوني له، مذكرا بأن الحكومة وضعت عشرات الآليات والخطط الكفيلة بإيصال الدعم العيني إلى من يستحقونه بالفعل.
وأشار إلى أن الدولة وظفت جزءا جيدا من أموال الفوائض في دعم مشروعات السكن والضمان الاجتماعي، وذلك أفضل بكثير من المنح النقدية التي يمكن أن تضيع في شراء كماليات مثل التلفزيونات وأجهزة الجوال، على حد تعبيره.
ووفق بيان الميزانية الأخير، فإن الحكومة السعودية ضخت عبر بنوكها وصناديقها التنموية (العقارية والصناعية والزراعية) قروضا بقيمة 335 مليار ريال، حتى نهاية السنة الحالية.
واستعرض الزامل عددا من نماذج الدعم العيني، مثل تكفل الحكومة بتسديد أي مبلغ يزيد عن مئة ريال في فواتير الكهرباء للأسر الفقيرة، وتحملها رسوما سنوية تتراوح بين 30 و60 ألف ريال لأي طالب محتاج ينوي متابعة دراسته الأكاديمية في الجامعات الخاصة داخل المملكة.
رسالة الوفر العظيم وتحفظ الزامل على الدعوات التي تظهر بين فترة وأخرى مطالبة الدولة بتسديد الديون أو القروض الشخصية لا سيما لدى البنوك، قائلا: إن حجم ديون القطاع الخاص يعادل 800 مليار ريال تقريبا، ومن غير الممكن أن نفصل فيه بين المحتاج وغير المحتاج.
ويزيد عدد المقترضين من البنوك السعودية عن 2.5 مليون عميل، بينما يصل مجموع القروض المتعثرة إلى 10 مليارات من أصل 200 مليار ريال تقريبا.
ووصف الزامل الفوائض التي كشفت عنها ميزانية العام الحالي بالوفر العظيم، موضحا أنها رسالة لجميع المراقبين، والمهتمين بأن اقتصاد المملكة، سيبقى متينا حتى لو تراجعت أسعار النفط لخمس سنوات مقبلة، فهناك مجال متاح لسد أي عجز محتمل بما لا يقل عن 100 مليار ريال سنويا.
أما موازنة العام القادم 2009، فإن أهم ما فيها بحسب الزامل، هو مخالفتها لكل النظرات التشاؤمية التي توقعت أن تكون الميزانية انكماشية، فإذا بها تصدر بنفقات تزيد 16% عن سابقتها، منوهاً بمبلغ 225 مليار.
الذي تم اعتماده لتنفيذ المشروعات العامة، ما يعد بحركة نشطة على جميع المستويات.
وطمأن إلى أن ميزانية السنة المقلبة لن تشهد عجزًا ماليًّا، انطلاقا من أن الحكومة تتبع نهجا متحفظا جدًّا في تقييم أسعار النفط، ولذلك فإن الإيرادات ستتعدى حاجز 410 مليارات المعلن عنه، على الأغلب.
التنويع أشد إلحاحاً من ناحيته، أكد مدير التحرير الاقتصادي في جريدة الجزيرة فهد العجلان، أن تقديرات الميزانية الجديدة وفوائض الميزانية الحالية نجحا في نشر جو من الطمأنينة بشأن ابتعاد المملكة عن شبح الركود الاقتصادي، وإمكانية تمويلها لأي عجز محتمل من الاحتياطيات المتراكمة.
ورأى أن توظيف الفوائض الضخمة وتوجيهها يخضع في النهاية للرؤية الشمولية لدى صانع القرار الاقتصادي، والتي قد تتعارض ظاهراً مع مطالب وأمنيات ذات طابع عاطفي.
وأضاف: لو أخذنا مطلب تسديد القروض مثالاً وسلّمنا به، لوجدنا أنفسنا أمام أسئلة محرجة تتعلق بطبيعة هذه القروض التي أخذها البعض ليرميها في مشروعات لحرق الأموال، فضلاً عن اعتراض مئات الآلاف ممن لم يقترضوا أساساً.
ولفت العجلان أن أي قرار في مجال توظيف الفوائض لا بد أن يكون له جذر اقتصادي بحت وراسخ، ومن غير المعقول أن يُستجدى لفرض حلول مؤقتة لمسائل متجددة لن تتوقف دورتها، كما هي الحال مع البطالة والديون، فيما هناك جانب أشد إلحاحا يحتّم استثمار الفوائض في بناء قاعدة اقتصاد متنوع يكون أقل ارتهانا لإيرادات النفط وتقلبات أسعاره، الأمر الذي بدأنا نلمسه مع الارتفاع المتواصل في نسبة الصادرات غير البترولية عاماً تلو عام.
وقال: إن تخصيص 25% من نفقات الميزانية الجديدة لقطاع التعليم العام العالي، وتدريب القوى العاملة، يدل بوضوح على أن السعودية ماضية في استثمار إيراداتها بالمكان المناسب، وتوزيعها بما يضمن الاستقرار للأجيال القادمة.
إيجابية مضاعفة ولم يحل التفاؤل الذي غمر أوساط المواطنين السعوديين، دون دعوتهم "لانتهاز" فرصة تحقيق الفوائض المتتالية في تحسين مستوى معيشتهم على جميع الأصعدة، مبدين ثقتهم التامة بإمكانية حل مشاكل البطالة والسكن وانخفاض الحد الأدنى للأجور بصورة جذرية.
وفيما تبين مصادر وزارة العمل أن عدد العاطلين لا يتجاوز نصف مليون من إجمالي قوة عاملة تناهز 4 ملايين مواطن، فإن كثيرين يشككون بهذه الأرقام ومنهم الطالب الجامعي سامي البقمي، الذي يعتبر أن توفير فرص العمل لراغبيه لم يصل بعد لمستوى الطموح، حيث ما زال هناك من ينتظر 4 أو 5 سنوات وسطيًّا بعد تخرجه لينال مقعدا وظيفيًّا، مع أن الوضع الاقتصادي للبلاد على أفضل ما يرام.
أما عبد الله الهزاع فرأى أن تسجيل فائض بهذا الحجم في عز الأزمة العالمية أمر مضاعف الإيجابية، لا سيما أن الأزمة حملت للمواطن السعودي هدية كبيرة بانخفاض أسعار مواد البناء، لكن بطء النظام المتبع في الحصول على القروض السكنية قد يحرم الآلاف من تشييد مساكنهم في هذه الظروف المواتية، مقترحا أن تضخ الدولة كامل المبلغ المخصص لصندوق التنمية العقارية دفعة واحدة خلال السنة القادمة، ليتسنى تنفيذ جميع الطلبات الحالية والسابقة.
وسبق لميزانية المملكة أن لاحظت ضخ 25 مليار ريال في حساب الصندوق لمدة خمس سنوات، ابتداء من 2007.
ومن باب اهتمامه كموظف، قال سليمان الحربي: إن الفائض القياسي فنّد جميع المبالغات بخصوص تحمل الميزانية لأعباء ثقيلة جراء إقرار بدل الغلاء، وهذا ما يعني في رأيه وجود إمكانية جيدة للنظر في رفع مستوى الأجور، لا سيما لأصحاب المراتب الدنيا والوظائف البسيطة، سواء كان ذلك في القطاع الحكومي أو الأهلي.
وأقرت الحكومة السعودية مطلع العام الجاري 17 خطوة لمكافحة التضخم، منها إقرار بدل غلاء معيشة بنسبة تراكمية مقدارها 5% على مدى ثلاث سنوات، وهو ما قدرت وزارة المالية تكلفته بستين مليار ريال.