السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نجت البنوك السعودية من موجات تسونامي المالي التي ضربت القطاع المالي والمصرفي العالمي خلال الربع الثالث، وأظهرت بياناتها المالية عن الفترة تمتعها بالصلابة في التصدي لما يمكن أن يقوِّض قوة الاقتصاد السعودي في حال تعرضت المصارف لهزات الأزمة الجارفة.
وصعدت أرباح المصارف السعودية مجتمعةً بنسبة 0.27% مقارنةً بالربع الثالث من عام 2007، لكن محللين ماليين لاحظوا أن نتائج الربع الماضي هي الأضعف خلال السنة الحالية، مما يوحي لهم بأن الربع الرابع سيظهر حقائق المراكز المالية للمصارف السعودية.
مراجعة سياسات الائتمان
ولاحظ الخبير الاقتصادي والمالي في الرياض الدكتور عبد العزيز الغدير أن بعض البنوك بدأت تراجع سياستها تحسبًا لتقليص المخاطر التي من شأنها إضعاف مراكزها المالية.
وأشار في حديثٍ لـ"الأسواق.نت" إلى تخلي عددٍ من البنوك السعودية -ومنها العملاق "الهولندي السعودي"- لبرامج تمويل السيارات، وهي صناعة مصرفية تتعرض لانتكاسةٍ في أوروبا وفي أمريكا، وأضرت بقيمة أصول كبرى المصارف هناك بسبب تعثر العملاء.
وقال الدكتور الغدير: من الواضح أن المصارف السعودية بدأت تحتاط، مشيرًا إلى توقف البنوك عن تمويل السيارات.
وفي الربع الثالث بلغ إجمالي أرباح المصارف السعودية 6.7 مليار ريال متراجعةً بأكثر من 2.1 مليار ريال عن أرباح الربع الثاني التي بلغت 8.8 مليار ريال، وبنحو 1.6 مليار ريال عن أرباح الربع الأول من العام البالغة 8.3 مليار ريال.
وحملت بيانات الربع الثالث بوادر وهنٍ في أعمال البنوك السعودية؛ إذ تراجعت أرباح بنك الاستثمار بنسبة 31% عن مجمل الأشهر التسعة الأولى من العام، وانخفضت أرباح بنك الجزيرة عن نفس الفترة بنسبة 51%، وهبطت أرباح بنك سامبا (السعودي الأمريكي) بنسبة 6.3%.
وبالنظر إلى ما تعنيه هذه التراجعات بالنسبة لنتائج الربع الرابع يقول الدكتور الغدير: "هذا يعني أن هناك تأثرًا بما يحصل في العالم"، متوقعًا دخول البنوك في مسار انخفاضٍ للأرباح، بسب ما نراه من أزمة سيولة.
سيناريوهات
واستبعد الغدير أن تتعرض المصارف السعودية لأوضاع دراماتيكية كما وقع لبنك الخليج في الكويت، الذي خسر غالبية أصوله من المضاربة في مشتقات مالية في أسواق الغرب، لكنه قال إن المؤكد هو أن القطاع المصرفي لن يحقق أرباحًا في الربع الأخير حتى بحجم الربع الثالث.
وتتكتم المصارف السعودية عن حجم الأضرار الناجمة عن خسائر محتملة في الأسواق الأمريكية والأوروبية، كما لا يعرف ما إذا كان بعضها قد اعتمد مخصصات لتغطية خسائر ما في نتائجه عن الربع الثالث.
وفي ظل الترقب الحذر لسوق المال السعودي لبيانات المصارف عن الربع الأخير يقول خبراء إن القطاع المصرفي السعودي سيكون أقل تعرضًا لتداعيات الأزمة المالية العالمية؛ نتيجة القيود المشددة من مؤسسة النقد العربي (البنك المركزي السعودي) على استخدام ودائع العملاء قي أقنية استثمار تنطوي على مخاطر عالية.
ويقول الخبير الاقتصادي فضل البوعينين إن تماسك المصارف السعودية في الربع الثالث واحتفاظها بمركزٍ ماليٍ جيدٍ في ظل الأزمة كان بفعل الرقابة الشديدة للمركزي السعودي "فيما يتعلق بملاءتها المالية".
مخاوف من نتائج البنوك
ومع ذلك يقدر خبراء أن المصارف السعودية لن تفلت من التعرض لتأثيرات أكثر شدة عن الفترات السابقة من العام في نتائجها للربع الرابع، لجهة تقلص عائداتها من أعمال الوساطة في البورصة السعودية والخسائر الحادة التي طالت أغلب الأسهم المحلية المشكلة للوعاء الرئيسي لمحافظها وصناديقها الاستثمارية.
ومن النتائج الوخيمة لتراجع أرباح المصارف السعودية يشير الدكتور الغدير إلى انحسار حجم سوق الأسهم السعودية الذي يعتبر الأكبر عربيًا وأحد أهم الأسواق العالمية التي تحظى بتوظيف عائدات النفط، مضيفًا "أن سيولة البنوك حيوية لسوق الأسهم".
ومما يحذر منه الدكتور الغدير أن العديد من مشاريع وخطط التنمية الكبرى التي تعتمد على تمويلات المصارف قد تلغى عندما يصبح من الصعب الحصول على قروض لتنفيذها، ويشير هنا إلى قرارٍ من عملاق النفط العالمي -شركة أرامكو السعودية- بإلغاء مشروع ضخم يتضمن مجمعًا للمصافي حيث رأى أنه من الأفضل عدم التوسع حتى لا تفاقم من الضغط على أسعار النفط والإضرار بعائداتها في النهاية.
وقالت المجموعة المالية المصرية - هيرمس في تقريرٍ صدر حديثًا إن التحديات التي يمكن أن تواجه البنوك السعودية على المدى المتوسط في ظل الأزمة المالية العالمية تتركز أساسًا "في تدبير الأموال اللازمة لخطة الاستثمارات المحلية".