أكتب هذا الأسبوع من مملكة البحرين، حيث الشفافية والواقعية تميزان الطرح الاقتصادي هذه الأيام.
ويمكن اعتبار البحرين محطة إنذار مبكر للمنطقة، تحس قبل غيرها بحركة الدورات الاقتصادية التي تمر بها المنطقة، وتعبر عنها بصراحة ووضوح.
ففي يوم الجمعة 5 ديسمبر 2008م نشرت جريدة الوسط حديثاً مع رجل الأعمال المعروف فاروق المؤيد توقع فيه أن تنخفض أسعار الأراضي والعقار في البحرين بنسبة تتراوح بين 30% و50% خلال العامين المقبلين، "أسوة بالاتجاه المنخفض الذي تسير عليه العقارات في دول الخليج العربية الأخرى" وعزا ذلك إلى "الكساد الاقتصادي الذي تمر به الولايات المتحدة الأمريكية وبقية دول العالم."
والحقيقة أن أسباباً عديدة تضافرت في السابق لإيجاد "فقاعة العقار" التي ضاعفت أسعار العقار في المنطقة خلال فترة وجيزة استفاد منها الكثير من المستثمرين والمضاربين والمغامرين في المنطقة،
وأهم تلك الأسباب الرخاء الاقتصادي الناتج عن الثروة النفطية التي لم تعرفها المنطقة منذ عقود.
وتبع ذلك دعاية منظمة من المطورين العقاريين والسماسرة للدفع بالأسعار والإيجارات إلى مستويات خيالية تتجاوز ما تتطلبه الظروف الموضوعية، كاشفين عن عجز الأجهزة المختصة على وضع حدود لتلك الطفرة، وعدم قدرة المستهلكين على التعامل مع الأزمة بالعقلانية التي تتطلبها.
والآن حان الوقت لانفجار تلك الفقاعة وتبديد تلك الموجة من النشوة التفاؤلية، ولكن ذلك لن يكون دون خسائر لكثير من الأبرياء الذين ركبوا تلك الموجة.
وهناك عوامل كثيرة تدفع نحو تخفيض أسعار العقار، لكن السبب الرئيسي، كما أشار المؤيد، هو الكساد الاقتصادي الذي بدأ يلف العالم بأسره. فخلال الأيام الماضية أوضحت أرقام البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية أن أكثر من 550 ألفاً فقدوا وظائفهم في شهر أكتوبر، وهو الشهر الحادي عشر على التوالي
الذي يفقد فيه مواطنون وظائفهم (وذلك بالإضافة إلى الباحثين الجدد عن العمل الذين لم يجدوا فرص عمل).
ومنذ عشرة أيام نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (باريس) تقريراً متشائماً تنذر فيه بكساد اقتصادي قد يستمر طويلاً، يتميز بارتفاع حاد وسريع في معدلات البطالة.
ورب ضارة نافعة، فانخفاض أسعار العقار قد يتيح المجال لكثير من المواطنين الفرصة لأول مرة لتملك منازلهم،
حيث لازالت أغلبية المواطنين في المملكة العربية السعودية تسكن في عقارات مستأجرة كانت أولى الضحايا لجشع ملاك العقار خلال العامين الماضيين الذين رفعوا الإيجارات دون أية ضوابط.
وسيتيح انخفاض أسعار العقار الفرصة كذلك للسيطرة على التضخم، إذ ان ارتفاع أسعار العقار والإيجارت كانت العامل الرئيسي للتضخم في دول مجلس التعاون.
هذا هو الجانب الإيجابي من أزمة العقار، لكن هناك جوانب سلبية أيضاً، آمل أن أتطرق إليها في مناسبات قادمة.