لرقابة القضائية على نظام التحكيم في السعودية

ان أهم الأهداف التي يتوخاها كل نظام قضائي إقامة العدل في المجتمع الذي يطبق فيه هذا النظام، والمملكة العربية السعودية من واقع كونها قبلة العالم الإسلامي اتخذت الشريعة الإسلامية منهجاً وتحكيماً وتشريعاً مستمدة ذلك من قول الله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) وقد ورد العدل في القرآن الكريم في نحو ثمانية وعشرين موضعاً وجاء مرادفها "القسط" في نحو خمسة وعشرين موضعاً مما يدل على أهميته، وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تعد مثلاً عالياً ونبراساً مضيئاً في العدالة وإن من أبرز صور العدالة في الإسلام عدالة نظامه القضائي الذي تميز على مر العصور بإنصافه ومساواته بين الناس بل وشموليته لكل القضايا والنوازل المستجدة في الحياة.
ولما كانت العديد من القوانين والتشريعات الخاصة بالتحكيم في مختلف الدول تتضمن أحكاماً قانونية تنظم مسألة الرقابة القضائية على الحكم من جهة ومحاكم الدولة التي يراد تنفيذ الحكم فيها إذا صدر الحكم في دولة أخرى، حيث تجيز تلك القوانين إلغاء حكم التحكيم في حال عدم تمكين المحكوم عليه من تقديم دفاعه أو دحض بينة خصمة خلال سير التحكيم، أو في مجال وجود مخالفات إجرائية أو تجاوز للصلاحيات أو إذا كان القرار مخالفاً للنظام العام للدولتين. وترتيباً على ما سبق فإن بعض القوانين الحديثة تخول أطراف التحكيم صلاحية استبعاد أسباب الإلغاء لحكم التحكيم كلياً أو جزئياً، وهناك بعض القوانين الحديثة تستبعد نهائياً إلغاء حكم التحكيم كلياً أو جزئياً كالقانون البلجيكي، وفي القانون السويسري يقتصر رقابة القضاء على النواحي الإجرائية فقط بحيث لا تتعارض مع النظام العام، فلا يملك الحق في النظر في كيفية تقدير المحكم لوقائع الدعوى المعروضة أمامه أو الخلاصة التي توصل إليها.
ومن المعروف أن نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/46) في 12/7/1403 ولائحته التنفيذية الموافق عليها بخطاب رئيس مجلس الوزراء رقم (7/2021/م) في 8/9/1405 لم يتضمنا أية إشارة إلى موضوع مدى الرقابة القضائية على قرارات التحكيم الصادرة في المملكة طبقاً لأحكام هذا النظام، ولا تلك التي تصدر في الخارج ويراد تنفيذها في المملكة، إذ اكتفت المادة 18 من هذا النظام بالنص على (أن جميع الأحكام الصادرة من المحكمين ولو كانت صادرة بإجراء من إجراءات التحقيق يجب إيداعها خلال خمسة أيام لدى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع، وإبلاغ الخصوم بصور منها، ويجوز للخصوم تقديم اعتراضاتهم على ما يصدر من المحكمين إلى الجهة التي أودع لديها الحكم من خلال 15 يوماً من تاريخ إبلاغهم بأحكام المحكمين وإلا أصبحت نهائية).
وفي المادة 19 حدد الإجراء الذي تتخذه الجهة المختصة بنظر النزاع وفيها (إذا قدم الخصوم أو أحدهم اعتراضاً على حكم المحكمين خلال المدة المنصوص عليها في المادة السابقة تنظر الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع في الاعتراض وتقرر إما رفضه وتصدر الأمر بتنفيذ الحكم، أو قبول الاعتراض وتصل فيه).
وأضافت المادة 20 أن القضاء يفرض رقابته على حكم التحكيم إذا خالف الشريعة الإسلامية (يكون حكم المحكمين واجب التنفيذ عندما يصبح نهائياً، وذلك بأمر الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع، ويصدر هذا الأمر بناء على طلب أحد ذوي الشأن بعد التثبت من عدم وجود ما يمنع من تنفيذه شرعاً).
ويتضح من قراءة هذه النصوص أنها لم تشر صراحة إلى مسألة رقابة القضاء السعودية على أحكام التحكيم من ناحية كيفية تقدير المحكم أو هيئة التحكيم للوقائع المعروضة أمامه في الدعوى، وكذلك مدى اعتراض القضاء السعودي على الخلاصة التي توصل إليها المحكم من تلك الوقائع.
لذا فإنني أرى أن الضرورات العملية خاصة بعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، تدعو إلى إعادة النظر في هذا النظام بحيث يتضمن نصوصاً واضحة حول هذه المسألة المهمة، لأنه من المتوقع أن تثار منازعات ذات طبيعة دولية بين شركات سعودية وأخرى أجنبية، وتصدر فيها أحكام تحكيم. ويكون النظام السعودي هو الواجب التطبيق عليها ثم يتم الاعتراض عليها أمام القضاء السعودي.
ولما كانت المملكة قد انضمت عام 1414 إلى اتفاقية نيويورك 1958م المتعلقة بالاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها، فإن تنفيذ تلك الأحكام الأجنبية في المملكة يخضع من حيث المبدأ لأحكام تلك الاتفاقية.
إلا أن أهمية تعديل نظام التحكيم السعودي تظل قائمة، بحيث يتضمن نصوصا تنظم مدى الرقابة التي يفرضها القضاء السعودي على التحكيم الأجنبي في السعودية، وذلك في الحالة التي تكون فيها تلك الاتفاقية غير منطبقة على مسألة الاعتراف بقرار التحكيم الأجنبي وتنفيذه. أو عندما يرغب طالب الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه أن يتم وفقا للنظام السعودي، على الرغم من قابلية اتفاقية نيويورك للتطبيق، وهذا ما تسمح به المادة السابعة من هذه الاتفاقية.
ولا شك أن هذا الاقتراح يأتي في إطار التوجيهات الواعية من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين الرامية إلى تفعيل وتطوير النظام القضائي في المملكة، خاصة في مجال التحكيم، وهو ما أعلنه الأمير الدكتور بندر بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس فريق التحكيم في 23/11/2004، خلال فعاليات مؤتمر "مواكبة متطلبات الأعمال التجارية في الشرق الأوسط" الذي عقد في دولة الإمارات العربية، حيث لفت سموه إلى "أهمية مراجعة القوانين القائمة بما يتلاءم مع المستجدات في مجال التجارة الدولية، وآليات لتسوية المنازعات التجارية الدولية التي تعتبر دافعا هاما لزيادة حجم التبادل التجاري الدولي، وأن التحكيم السعودي جرى بخطى واثقة وأننا خلال السنوات الماضية قد كسرنا الحاجز الوهمي بين القضاء والتحكيم".
واتساقا مع هذا الاهتمام الذي تبديه قيادتنا على تطوير النظام القضائي في المملكة، أكد سموه على أهمية الفعاليات التي تقام في هذا الخصوص ومنها الملتقى الثالث للتحكيم المزمع عقده في الرياض خلال الفترة من 3-5 ذي القعدة الموافق 13-15 نوفمبر 2007، بعنوان "التحكيم السعودي من منظور إسلامي ودولي" بمشاركة أكثر من 200 خبير من داخل المملكة وخارجها، كما سيساهم في فعاليات هذا المؤتمر ممثلون من الإدارات القانونية بالغرف التجارية والشركات المساهمة وعدد من المحامين والمحكمين للتعرف عن قرب عن فوائد ومزايا اللجوء إلى التحكيم وأثره على البيئة الاستثمارية.
وبهذه المناسبة فإننا نؤكد على مجموعة من التوصيات لتفعيل دور التحكيم ونظام داخل المملكة العربية السعودية وأجملها فيما يلي:
1- تأهيل المحامين بما يتلاءم مع المستجدات في إطار النظام القضائي ونظام المحاماة في المملكة العربية السعودية.
2- تخصيص دوائر تجارية في ديوان المظالم للنظر في قضايا التحكيم وتنفيذ الأحكام الأجنبية بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية.
3- العمل على إنشاء سكرتارية خاصة بالتحكيم في المحاكم الشرعية.
4- تكثيف الندوات والمؤتمرات لمناقشة وتفعيل موضوع التحكيم من جميع جوانبه للوصول إلى فهم كامل ومشترك لمجمل العملية التحكيمية، سعيا لتحقيق أداء أفضل لأصحاب الفضيلة القضاة وكذلك المحامين وأصحاب المصالح تحقيقا للأهداف والغايات المنشودة من تحقيق العدالة لجميع المتقاضين.
5- تشكيل لجنة علمية لرفع الملاحظات بالتعديلات المطلوب إدراجها على نظام التحكيم الحالي لمعالي وزير العدل ليحقق النظام الغايات والأهداف المرجوة منه، وهذه اللجنة تؤلف من وزارة العدل وديوان المظالم وممثل عن فريق التحكيم السعودي وبعض المحامين من ذوي الخبرات الطويلة في مجال التحكيم.
6- إعداد قوائم متخصصة للمحكمين وأخرى للخبراء، من خلال لجنة تكون بإشراف وزارة العدل، وبمشاركة ممثل عن لجنة وطنية للمحاسبين القانونيين وممثلين عن إدارة المهن الحرة بوزارة العمل وعضو من فريق التحكيم السعودي. ويتم تعميمها كقوائم إرشادية على جميع المحاكم واللجان القضائية المختلفة والغرف التجارية ورجال الأعمال.
7- العمل على تدريس مادة التحكيم ضمن المواد التي تدرس في الجامعات لطلاب الشريعة والقانون في المملكة العربية السعودية.
8- استمرار جهود فريق التحكيم السعودي بالمشاركة في جميع المحافل الدولية لنشر الصورة الحقيقية عن مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء والمحاكم والقضاء في بلدنا المملكة العربية السعودية.