المتفائله عميــدة الأقسام نائب المشرف العام علي منتديات عائلة العراقي المكيه
عدد الرسائل : 16919 العمر : 64 العمل/الترفيه : عمـيـدة الأقســــام مزاجي : رقم العضوية : العضوية العراقيه من الطبقة الأولي تاريخ التسجيل : 14/08/2008
موضوع: محاضره للشيخ الشنقيطي الخميس مارس 06, 2014 8:00 pm
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف ترق القلوب ؟
فضيلة الشيخ: محمد مختار الشنقيطي
الحمد لله علام الغيوب. الحمد لله الذي تطمئن بذكره القلوب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعز مطلوب وأشرف مرغوب. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، الذي أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. صلوات الله وسلامه وبركاته عليه إلى يوم الدين، وعلى جميع من سار على نهجه واتبع سبيله إلى يوم الدين…….أما بعد
إخواني في الله : إن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن وعطية من الديان تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزا مكينا وحصنا حصينا مكينا من الغي والعصيان. ما رق قلب لله عز وجل إلا كان صاحبه سابقا إلى الخيرات مشمرا في الطاعات والمرضاة. ما رق قلب لله عز وجل وانكسر إلا وجدته أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله ، فما ذُكّر إلا تذكر، ولا بُصّر إلا تبصر. ما دخلت الرقة إلى القلب إلا وجدته مطمئنا بذكر الله يلهج لسانه بشكره والثناء عليه سبحانه وتعالى. وما رق قلب لله عز وجل إلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي الله عز وجل. فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة الله وبطش الله تبارك وتعالى. ما انتزعه داعي الشيطان إلا وانكسر خوفا وخشية للرحمن سبحانه وتعالى. ولا جاءه داعي الغي والهوى إلا رعدت فرائص ذلك القلب من خشية المليك سبحانه وتعالى. القلب الرقيق صاحبه صدّيق وأي صدّيق. القلب الرقيق رفيق ونعم الرفيق. ولكن من الذي يهب رقة القلوب وانكسارها؟ ومن الذي يتفضل بخشوعها وإنابتها إلى ربها ؟ من الذي إذا شاء قلَبَ هذا القلب فأصبح أرق ما يكون لذكر الله عز وجل، وأخشع ما يكون لآياته وعظاته ؟ من هو ؟ سبحانه لا إله إلا هو، القلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فتجد العبد أقسى ما يكون قلب، ولكن يأبى الله إلا رحمته، ويأبى الله إلا حلمه وجوده وكرمه. حتى تأتي تلك اللحظة العجيبة التي يتغلغل فيها الإيمان إلى سويداء ذلك القلب بعد أن أذن الله تعالى أن يصطفى ويجتبى صاحب ذلك القلب. فلا إله إلا الله ، من ديوان الشقاء إلى ديوان السعادة، ومن أهل القسوة إلى أهل الرقة بعد أن كان فظا جافيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه، إذا به يتوجه إلى الله بقلبه وقالبه. إذا بذلك القلب الذي كان جريئا على حدود الله عز وجل وكانت جوارحه تتبعه في تلك الجرأة إذا به في لحظة واحدة يتغير حاله، وتحسن عاقبته ومآله، يتغير لكي يصبح متبصرا يعرف أين يضع الخطوة في مسيره. أحبتي في الله : إنها النعمة التي ما وجدت على وجه الأرض نعمة أجل ولا أعظم منها، نعمة رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى. وقد أخبر الله عز وجل أنه ما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعودا بعذاب الله ، قال سبحانه:
ويل، عذاب ونكال لقلوب قست عن ذكر الله ، ونعيم ورحمة وسعادة وفوز لقلوب انكسرت وخشعت لله تبارك وتعالى. لذلك - إخواني في الله - ما من مؤمن صادق في إيمانه إلا وهو يتفكر كيف السبيل لكي يكون قلبي رقيقا؟ كيف السبيل لكي أنال هذه النعمة ؟ فأكون حبيبا لله عز وجل، وليا من أوليائه، لا يعرف الراحة والدعة والسرور إلا في محبته وطاعته سبحانه وتعالى، لأنه يعلم أنه لن يُحرم هذه النعمة إلا حُرم من الخير شيئا كثيرا. ولذلك كم من أخيار تنتابهم بعض المواقف واللحظات يحتاجون فيها إلى من يرقق قلوبهم فالقلوب شأنها عجيب وحالها غريب. تارة تقبل على الخير، وإذا بها أرق ما تكون لله عز وجل وداعي الله . لو سُئلت أن تنفق أموالها جميعا لمحبة الله لبذلت، ولو سئلت أن تبذل النفس في سبيل الله لضّحت. إنها لحظات ينفح فيها الله عز وجل تلك القلوب برحمته. وهناك لحظات يتمعر فيها المؤمن لله تبارك وتعالى، لحظات القسوة، وما من إنسان إلا تمر عليه فترة يقسو فيها قلبه ويتألم فيها فؤاده حتى يكون أقسى من الحجر والعياذ بالله .
وللرقة أسباب، وللقسوة أسباب : الله تبارك وتعالى تكرم وتفضل بالإشارة إلى بيانها في الكتاب. فما رق القلب بسبب أعظم من سبب الإيمان بالله تبارك وتعالى. ولا عرف عبد ربه بأسمائه وصفاته إلا كان قلبه رقيقا لله عز وجل، وكان وقّافا عند حدود الله . لا تأتيه الآية من كتاب الله ، ويأتيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال بلسان الحال والمقال:
فما من عبد عرف الله بأسمائه الحسنى وتعرف على هذا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إلا وجدته إلى الخير سباق، وعن الشر محجام. فأعظم سبب تلين به القلوب لله عز وجل وتنكسر من هيبته المعرفة بالله تبارك وتعالى، أن يعرف العبد ربه. أن يعرفه، وما من شيء في هذا الكون إلا ويذكره بذلك الرب. يذكره الصباح والمساء بذلك الرب العظيم. وتذكره النعمة والنقمة بذلك الحليم الكريم. ويذكره الخير والشر بمن له أمر الخير والشر سبحانه وتعالى. فمن عرف الله رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى. والعكس بالعكس فما وجدت قلبا قاسيا إلا وجدت صاحبه أجهل العباد بالله عز وجل، وأبعدهم عن المعرفة ببطش الله ، وعذاب الله وأجهلهم بنعيم الله عز وجل ورحمة الله . حتى إنك تجد بعض العصاة أقنط ما يكون من رحمة الله ، وأيئس ما يكون من روح الله والعياذ بالله لمكان الجهل بالله . فلما جهل الله جرأ على حدوده، وجرأ على محارمه، ولم يعرف إلا ليلا ونهارا وفسوقا وفجورا، هذا الذي يعرفه من حياته، وهذا الذي يعده هدفا في وجوده ومستقبله. لذلك - أحبتي في الله - المعرفة بالله عز وجل طريق لرقة القلوب، ولذلك كل ما وجدت الإنسان يديم العبرة، يديم التفكر في ملكوت الله ، كلما وجدت قلبه فيه رقة، وكلما وجدت قلبه في خشوع وانكسار إلى الله تبارك وتعالى. السبب الثاني: الذي يكسر القلوب ويرققها، ويعين العبد على رقة قلبه من خشية الله عز وجل النظر في آيات هذا الكتاب، النظر في هذا السبيل المفضي إلى السداد والصواب. النظر في كتاب وصفه الله بقوله:
ما قرأ العبد تلك الآيات وكان عند قراءته حاضر القلب متفكرا متأملا إلا وجدت العين تدمع، والقلب يخشع والنفس تتوهج إيمانا من أعماقها تريد المسير إلى الله تبارك وتعالى، وإذا بأرض ذلك القلب تنقلب بعد آيات القرآن خصبة طرية للخير ومحبة الله عز وجل وطاعته. ما قرأ عبد القرآن ولا استمع لآيات الرحمن إلا وجدته بعد قراءتها والتأمل فيها رقيقا قد اقشعر قلبه واقشعر جلده من خشية الله تبارك وتعالى: