عدد الرسائل : 258 العمر : 31 العمل/الترفيه : مشرفة مزاجي : تاريخ التسجيل : 12/08/2008
موضوع: رواية الملعونة / للكاتبة : أميرة المضحي الخميس مارس 15, 2012 1:46 pm
رواية الملعونة
البداية
تشابة الأسماء والأحداث بالواقع مجرد صدفة ، قد تعني كل شيء ، وقد لا تعني شيئا . لذا لا تبحثوا عن الواقع في الخيال .
الملعونة بقلم الكاتبة سعودية أميرة المضحي
%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%
جريدة اليوم
همسات من قلبي ...........................
عيني لم تنساك بعد ...وقلبي لم ينساك بعد مازلت محفورا على عمري مازلت مزروعا على جفني تشبه الريحان والياسمين وأشجار العنب والتين جميل .. طاهر.. وشهي مازال أسمك مكتوب على جبيني ومرسوم بالوشم على كتفي وقلبك ينبض في قلبي ورائحتك تعطرني يا رجلا يسكن في قلبي ..
كاميليا الناصر هذه الرسالة الأولى .. والبقية تأتي .........................................
الفصل الأول
بلع ريقه .. ورجفة عنيفة تجتاح قلبه وهو يسترق السمع لكلامها وشكواها بعد منتصف الليل ، صوتها يشبه خرير الماء في ينبوع صب في قلبه مباشرة . كيف يكون للصوت تأثير على قلب الإنسان وروحه و جسده . شعر بأنه سيغمى عليه وهي تقول بصوتها الرقيق : - أريده قريب منا ويستمع لمشاكلنا .. هو مشغول باستمرار ولا يريدنا أن نزعجه .. قليل الكلام ولا يتحدث معنا إلا في الأمور التي تهمه .. وبرغم انشغاله في عمله إلا أن سلطته وقسوته لا تفارقنا .. وقوانينه يريدها قائمة دون الالتفات لنا .
تجمدت يده وأحس بنبضات قلبه تتسارع ، وسأل نفسه (من تكون هذه الشاكية في ساعات الفجر الأولى ؟). تردد أمام كلمات صاحبة الصوت الرقيق . هل يستمع أكثر ، أم يغلق السماعة وكأنه لم يسمع شيئا . أحس بضرورة إغلاق السماعة فورا فالحديث يبدو خاصا والاستماع له ليس أخلاقيا ويتعارض مع مبادئه . وعندما أراد ذلك جاء صوتها من جديد ، وقالت بعد تنهيدة عميقة:
_ أمره يحيرني فهو يلبي لنا حاجتنا دائما ويوفر لنا كل ما نريد .. نعيش برفاهية تحسدنا عليها الكثيرات .. أنا لا أفهم والدي .. هو غاضب وعنيد معظم الوقت .. عنفني بصوته المرتفع وصراخه وهددني بالضرب لو اتصلت ب"ناهد" .. منذ أن بدأت بالكتابة في الجريدة ونشرت اسمها ووالدي جن جنونه .. يقول بأنها ثورية ومتمردة وتفتعل أزمة للسعوديات .
- أقطعي علاقتك بها .
أطلقت من قلبها آهة حزينة وقالت : - لا أستطيع .. هي قادرة دائما على احتوائي ولا أتردد أبدا في إخبارها أي شيء وبرغم السنوات الست التي تفصلنا إلا إننا صديقتين حميمتين .. هي كاتبة مثقفة و محترمة ولها عدد من القصص و الكتب التي تجمع فيها مقالاتها .. هي بعيدة عن التهم التي يلصقها والدي بها .. ولا تعمل على سلخ الفتاة السعودية من جلدها كما يقول .. يريدها أن تكتب في الدين والحجاب و الشجرة و أسبوع المرور .. يريدني أن أقطع علاقتي بها لأنها اختارت العيش بكرامة بعيدا عن زوجها وذنبها الوحيد أنها كاتبة و مطلقة .
أغلق "عماد" سماعة الهاتف ببطء وراح يسترجع كلمات صاحبة الصوت الرقيق ، صوتها كعزف ناي شجي تغلغل في أعماق روحه . فكر من تكون ؟ .. لابد أنها مقربة جدا لأخته "نسرين" لتبثها أمورا خاصة وعائلية وتشتكي لها من سلطة والدها .
فتح نافذة غرفته المطلة على الكورنيش ، وبقي للحظات يراقب سيارات المارة مازالت الحركة مستمرة ونشطة في مدينة القطيف والسيارات تتحرك في جميع الاتجاهات أغمض عينيه وفي لحظة قرر الخروج من المنزل في هذا الوقت نزل بسرعة وقطع الشارع ليلاقي البحر في الليل شعر بإحساس غريب وهو يخلع حذائه وماء البحر يغسل قدميه ، والهواء الحار يداعب قسمات وجهه ويحرك خصلات شعره الأسود الناعم
تنهد وأغمض عينيه وأستنشق الهواء بعمق وهو يسترجع كلمات صاحبة الصوت الرقيق وعقله يحاول كشف هويتها ، هي صديقة لنسرين ولابنة عمه "أمل" أيضا لأن صداقتهما مشتركة ، وهما تتحدثان عن صديقاتهن دائما هناك "كاميليا" صديقتهما من الطفولة ، و"سماح" التي تعرفنا عليها في المرحلة الثانوية ، وهناك شقيقة خطيبته السابقة ولكن العلاقة بينهما انتهت بعد أن فسخ الخطوبة قبل ثلاث سنوات وأصبح في هذه الحالة من ضجر والوحدة .فبقدر ما انجذب ل "سوسن" بشدة عندما رآها أول مرة بقدر ما كرهها عندما أصبحت خطيبته . كان يشعر بالسوء من تلك المرحلة وخصوصا عندما اتهمه صديقه "ماجد" بالاستهتار وهو بعيد عنه كليا، فلطالما كان جادا ورصينا إلا أنه لم يستطيع أن يستمر مع سوسن أكثر من شهر ، فتح عينيه على صوت بوق سيارة مارة في الشارع وتمنى لو يصرخ بقوة تعادل صوته فربما يستيقظ فيه شيء ما ويغير حياته الرتيبة.
عاد لمنزلة والأثر الذي تركته فيه صاحبة الصوت الرقيق يحيره ، يا لهذه الفيزياء اللعينة ، ما الذي أحدثه فيه ولماذا أحب صوتها ؟. كان لرنين صوتها أثرا في رو حه ولا يعرف لماذا تخيل وجه ماجد يقول له بيت من الشعر الشهير ( يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا ). العشق مرة واحدة ، وهو أعلى درجات الحب وأخطرها ، ومن أين سيأتيه الحب وهو منطوي على نفسه وسأل نفسه لماذا لم يدق قلبه لأحد بعد ؟. لو كان تزوج بطريقة تقليدية فربما يشعر بالسعادة مع امرأة ما كان مدركا ومقتنعا في قراره نفسه بأن الوقت قد حان ليلقي بنفسه بين يدي امرأة تحتويه وتحبه لذاته فقط، وإن كان لا يعترف بذلك علنا فكر في حياته فهو أحد أبناء عائلة عريقة ومعروفة بالتجارة والمال والثراء أبا عن الجد يعيش في فيلا فخمة وكبيرة في حي "المجيدية"، ويمتلك أحداث السيارات التي يسعى لتبديلها سنويا للمحافظة على وجاهة العائلة كما تطلب منه أمه ذلك يحسده الكل على ما يملك ، رغم كونه لا يملك صديقا يستطيع الاتصال به في منتصف الليل. ******* أشعل الضوء الخافت واستلقى على سريره وتدثر بلحافه الفاخر وراح ينظر لغرفته تحت ظلال الضوء الصفر الخفيف الذي يضفي جوا من الدفء على الغرفة الواسعة و الجميلة بأثاث خشبي وطلاء جدار أصفر دافئ وستائر مخملية داكنة ، وجميع مستلزمات الرفاهية فيها ، ولكنها لا تهمه مادام لا يشعر بالسعادة ، تنهد وسرعان ما نهض بسرعة ووضع في مشغل الأقراص أسطوانة لجارة القمر ، وبدأ صوتها يشيع في أرجاء الغرفة ..
"تسأل علي كتير وبتحبني بعرف هالحكي.. حافظة هالحكي كل الحكي حلو .. ومع إنه حلو ليش بيضلو إحساس يقلي لا في شيء بدو يصير .. في شيء عم بيصير "
استلقى على السرير لكن عينيه لم تغمضان . أحس بأنه في حاجة لشيء ما ، فهذه الليلة ليست ككل الليلة ، هناك شيء ما يشعر به وقلبه يدق بإيقاع جديد ومختلف . شعر بالحاجة للحديث مع أحد ، من يسمعه في هذا الوقت المتأخر ؟ لمن يشكو ولمن يتحدث ؟ فكر بأخته الكبرى "ندى" ..لابد أنها نائمة بجانب زوجها . كم كنا صديقين وشقيين وكثيري الشجار لكنهما يتصالحان بسرعة . وكثيرا ما يجعلان أمهما تفقد أعصابها بسبب شجاراتهما الدائمة ، ورغم ذلك كان كل واحد منهما داعم للآخر ومحامي عنه أمام والديهما . مازال يتذكر الضرب بالحذاء بحذائها وكانت المرة الوحيدة التي يتذكر فيها بأنها ضربته ، أما أبوه فلم يمد يده عليه هو وأخواته أبدا.
تذكر شقيقه "علاء" الشعلة المشعة بالسعادة و التفاؤل والحيوية والذي يشكل معه ثنائيا أخويا رائعا انطفأ قبل عشر سنوات وبسرعة كبيرة تنقلت الصور في رأسه لتعيد أمام عينيه صورة علاء وهو جثة هامدة بلا حراك والدم يغطي رأسه ووجهه بعد أن انتشله بنفسه من بين يدي زميله الذي تشاجر معه وأرداه قتيلا أمام باب منزلهم القديم في "القلعة" شعر بالأسى وهو يتذكر بكاء أمه كلما دخلت ترتب غرفته التي أصرت على إعدادها له في المنزل الجديد بعد وفاته بأشهر. ******************************** أستيقظ صباحا على صوت المنبه . غسل وجهه وحلق ذقنه ،وارتدى ملابسه الأنيقة. بذلة كحلية اللون وقميص أبيض وربطة عنق بألوان مبهجة ، وقف أمام المرآة ووضع القليل من العطر وابتسم عندما تذكر صديقه الذي يتهمه بالبعد عن التقاليد ، ابتداء باللباس والناهية لا يعرفها . كان صاحبه يحاول إقناعه باستمرار بلبس الثوب والغترة التقليدية ، ويجيبه دائما بأنه يرتدي ما يعجبه ويناسبه ، لا ما يرضي الناس وتراث البلد . أغمض عينيه فجأة وهو يستحضر كلمات صاحبة الصوت الرقيق ، وعاود تلاوة الأفكار نفسها في رأسه وهو يفكر بصديقات أخته . شارك والديه تناول الإفطار وأكل التوست المحمصة بالزبدة التي أعدتها له أمه وهي تتحلطم من عدم جدية نسرين في المذاكرة ورغبتها الفاترة بالالتحاق بكلية الطب أكدت على زوجها الصامت للمرة الألف ضرورة البحث عن واسطة جيدة ليقوم باللازم ، وأنهت كلامها له ببعض الاتهامات الضمنية باللامبالاة والانشغال عن البيت وعدم الاهتمام بدارسة ابنته. ظل والده صامتا واكتفى بنظرة حياديه . هو هادئ وصامت ، ترك قيادة دفة الأسرة لزوجته التي تتهمه بالسلبية ولا تجرؤ أن تقول بأن شخصيته ضعيفة أمام شخصيتها .
أخذ حقيبته وخرج متجها إلى الشركة . شركة "الغانم" للأسمنت ومواد البناء والخرسانة الجاهزة التي أسسها والده وعمه سويا بجدهما وكدهما حتى كونا اسما قويا في سوق المحلية ، وكونا ثروة مالية يعتزان بها من الشركة والمصنع التابع لها ، إضافة إلى محطات البنزين التي يمتلكونها . كان يرغب بدراسة إدارة الأعمال في كاليفورنيا ولكن والده لم يحبذ ذلك بعد وفاة علاء ، فوافقه ودرس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالرغم من اعتراض أمه ، وبعد تخرجه من كلية الإدارة أستلم إدارة الشركة يدا بيد مع ابن عمه وزوج أخته فيصل ، وتفرغ والده وعمه للعمل سويا في الاستثمار بجميع مجالاته تاركين إدارة الشركة للشابين الطموحين ليكملا المسيرة . قاد سيارته وهو يستمع لأغنية السيدة فيروز ..
"كنا نتلاقى من عشية ونقعد على الجسر العتيق وتنزل على السهل الضباب تمحي المدى وتحمي الطريق ما حدا يعرف بمطرحنا غير السماء وورق تشرين.."
كان يحب فيروز وأغانيها وصوته وشموخها ، ويردد دائما بان الغناء مباح لها فقط وحرامه على الجميع ، ويحتفظ بجميع أسطوانتها وأشرطتها يستمع لها في السيارة والمنزل . لم يكن يستمع لأي مطربة أخرى ودائما يردد بأنها مطربة النخبة ولعامة الناس مطربيهم ، فالطبقية موجودة في كل شيء حتى في الغناء والموسيقى . لم يكن مؤمنا خالصا بالطبقية الاجتماعية رغم اعترافه بها ، وربما اعترافه ناتج من كونه ولد لعائله عريقة من عائلات القلعة القطيفية ساهمت أمه في جعلها مميزه اجتماعيا
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& الفصل الثاني
تمددت كاميليا على سريرها وهي تفكر بما حدث في منزل صديقتها وتشعر بالندم لما قالته عن شقيقها . لم تتخيل أن عفويتها قد توقعها يوما بمشكلة مع نسرين التي ظلت منزعجة برغم ما كان في جلستهما من ضحك ورقص وغناء .أحست بالضيق الشديد وتنهدت عينيها العسليتين بالدموع وسال خط الكحل الملازم لعينيها وهي تسترجع نظرات عماد لها . نظراته كانت غريبة وكأنه يريد أن يعريها من ملابسها وأقنعتها ويرى جوهر حقيقتها . قضت وقتها وهي على سريرها بعباءتها وحقيبة يدها . جاءت أختها "شذى" التي تصغرها بعام واحد . جلست بجانبها واندهشت عندما وجدتها مغمضة العينين والدموع تسيل على خديها ممتزجة بالكحل الأسود . سألتها بقلق عما حدث ، ففتحت عينيها ومسحت دموعها بطرف إصبعها وراحت تخبرها بما حدث.
ذهبت مع صديقاتها إلى منزل أمل وهناك قابلت عماد شقيق نسرين الذي لم تره منذ فترة طويلة .تنبهت لوجوده ، وخصها بنظرات ملفتة وغريبة . التقت عينيها بعينيه السوداويين وأفترسها من أعلى رأسها مبتدءا بعينيها العسليتين وحتى أسفل قدميها غير آبه بوجود أحد . -شعرت بالانزعاج وأخبرت الجميع بذلك إلا أن أمل ونسرين دافعتا عنه ..و..
توقفت عن الكلام ودموعها تخنقها . مسحتها بيديها وأكملت تخبر أختها بردة فعل نسرين التي تضايقت منها وأصبح الجو متوترا برغم محاولات سماح وأمل جعل الأمور طبيعية.وبختها أختها من تبعات لسانها الفلتان ، فأغمضت عينيها وهي تشعر بشيء ما فد حصل لها من جراء نظراته القوية . أحست بأن نظراته وعينيه السوداويين أفقدتها صوابها . عينيه اخترقتاها وأشعرتها بالدوار ، فلم تكن نظراته عابرة . كانت مليئة بالفضول والرغبة وأشياء لا تعرفها ، ومازال رأسها يدور كلما تذكرت كيف نظر لها بعمق وكأنه يستشفها من الداخل.
جلست على مكتبها وهي تعيد رسم صورته أمام عينيها. وسيم وشعره الأسود مصفف بطريقة أنيقة ، عينيه سوداويين وغامضتين وساحرتين وحاجبيه طويلين وكثيفين وشاربه محفوف بأناقة.كانت دائما تراه رجلا وهي طفلة لكنها لم تعد تلك الطفلة أو الفتاة الصغيرة . وضعت شريط " نجوى كرم " في مسجلتها..
ونجوى تختم أغنيتها تنهدت كاميليا وهي تفكر بنسرين الغاضبة ، وقررت أن تتصل بها وتعتذر لها . ستخبرها بأنها لا تقصد الإساءة لأخيها ولكنها تكلمت بعفوية وصراحة دون نية سيئة . أمسكت بهاتفها واتصلت بها فلم تجبها ، شعرت بالأسف لما قالته عن عماد فهي لا تريد أن تتأثر صداقتهما.
قضت وقتها في الحديث مع أختها عن القليل الذي تعرفانه عن عماد ولا تعرف لماذا أصبحت فجأة تتوق للحديث عنه وتذكر كل صوره القديمة في ذاكرتها.فكرت به ، لماذا نظر إليها بهذه الطريقة فهي ليست المرة الأولى التي يراها فيها . رآها قبلا مرات عديدة ، وهو يعرفها وكثيرا ما ركبت معه في سيارته وأوصلها مع نسرين إلى منزل أمل,وأصطحبها مرة إلى المدرسة المتوسطة ليحضرن شهادتهن عندما تخرجن. كما إنها ركبت معه بصحبة خطيبته السابقة الذي أقيمت حفلة خطوبتهما بعد امتحانات العام الدراسي الأول في المرحلة الثانوية. يومها ظلت تراقب لحظات السكوت بينهما واستغربت رؤيتها لخطيبين مغلفان بالصمت . هي مازالت تتذكر يوم خطوبتهما , ذهبت مع نسرين وأمل لمركز التجميل وقمن ثلاثتهن بحف حواجبهن لأول مرة.ذهبت لمنزل خطيبته السابقة ورقصت مع صديقاتها على أنغام الموسيقى الصاخبة . وهو يعرفها فلماذا لم يهتم بالنظر إليها بهذه الطريقة قبلا , وهل كانت في نظره طفلة.
تذكرت عينيه ونظراته ، لم تكن عابرة ، أو نهمة كالتي تجدها في عيون الشباب الجائعة. كانت معتادة على مضايفة الشباب لها ولصديقاتها في الأسواق و الأماكن العامة ، يلاحقونهم ويرمون الأوراق الصغيرة المحتوية على أرقام هواتفهم .أو يتبعونهم وهن يسرن في الشارع مع السائق ولم يؤثر بها ذلك ، لكن عماد كان مختلفا فنظراته القوية اخترقت قلبها المحصن وجعلتها تذرف الدموع وتفكر به وبنظراته طوال الليل . كانت أقلهن جرأة وعندما ذهبت مرة مع سماح إلى أحد المجمعات ولحق بهما شابان من محل لآخر ، وطلبت سماح لهما رجال الأمن من داخل المحل وجاءوا واقتادهما إلى مقر الشرطة في المجمع.خافت جدا عندما طلب منهما رجل الأمن التوقيع على بعض الأوراق من أجل استكمال التحقيق معهما رسميا وإيصال الأمر لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرفضت خوفا من والدها لو بلغه الأمر وخوفا من رجال الهيئة
أشعلت شمعة معطرة وهي تفكر ولم تشعر بالراحة إلا بعد أن اتصلت بنسرين واعتذرت منها . لم تكن نسرين غاضبة بقدر ما كانت مندهشة فشقيقها يمثل لها قيمة وأمثولة خاصة ولا تستطيع إساءة التفكير به ولو بشيء بسيط .ولهذا انتظرت عودته للمنزل وتحدثت معه واستفزته عندما شبهت نظراته بنظرات الذئاب الذين يرتادون الأسواق والمجمعات بحثا عن الفتيات . صوب عليها عينيه السوداويين وأعلن لها البراءة من جهل الشباب وسطحيته ، ودافع عن نفسه فهو صاحب روح وقلب وعقل ومبادئ مطبوعة بفكر وثقافة خاصة كونها بنفسه.
ظلت كاميليا تتقلب في فراشها تفكر بعماد ونظراته الساحرة ، ولا تعلم بأنه يتقلب في فراشة أيضا ويفكر بها . احتلت تفكيره منذ أن سمع صوتها عبر الهاتف تلك الليلة بالصدفة وأطلق عليها صاحبة الصوت الرقيق . بذل جهدا ليكشف هويتها وعندما عرفها ذهب متعمدا لبيت عمه ليراها ويرى كيف أصبحت بعد سنوات ، ومنذ أن رآها وصورتها لا تفارق خياله . يتذكرها وهي تدخل أمامهمن باب منزل عمه ، وكم هي جميلة وحبة الخال مستقرة بهدوء وسعادة في زاوية فمها.. وعينيها الذابحتين ..وبشرتها المشرقة البراقة بسمرة شفافة . ظل يفكر بتلك الفتاة الصغيرة التي كبرت فجأة وبدت أجمل . لم يكن قادرا على النوم بعد أن رآها ، كانت مختلفة عن الصورة التي رسمها لها في مخيلته معتمدا على صورتها وصورة قديمة يحتفظ بها في ذاكرته . لم يعرف لماذا أحس بأن قلبه سيخرج من صدره عندما رآها . &&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& الفصل الثالث
" أخر أيام الصيفية والصبية شوية شوية وصلت ع ساحة ميس الريم وانقطعت فيها العربية أخر أيام المشاوير في غيمة زرقة وبرد كتير وحدي منسية بساحة رمادية أنا والليل وغنية تأخرنا وشو طالع بالإيد حبيبي وسبقتنا المواعيد أنا لو فيي زورك بعيني وعمرها ما تمشي العربية "
أوقف سيارته في حديقة منزلهم الكبيرة وظل ينتظر انتهاء الأغنية حتى يترجل فهو لا يحب أن ينقطع صوت فيروز . كان ينوي شرب كوب من الشاي وأخذ الأوراق التي يحتاجها قبل الذهاب إلى البنك . لكن لقاءه بنسرين عند البوابة غير مساره . نزع نظارته الشمسية عن عينيه وسألها : - إلى أين تذهبين ؟
أخبرته بأنها تريد الذهاب لمنزل كاميليا لأخذ بعض الأوراق المهمة في الفيزياء ونسخها في القرطاسية ، فابتسمت عينيه فهذه فرصة جيدة لرؤية كاميليا أو لسماع خبر عنها . طلب منها أن تركب معه ليوصلها بنفسه لكنها رفضت فهي ستذهب إلى محل الأشرطة الغنائية مع صديقتها في "سوق مياس" ابتلع ريقه قبل أن يبدأ في الكذب وقال : _ سيذهب السائق إلى المطبعة ليحضر أوراقا خاصة بي ولن يعود قبل ساعة .
ركبت نسرين بجانب أخيها الذي ارتسمت على وجهه ابتسامة رضا لم تفهم مغزاها وهو يستمع لصوت فيروز . كان سعيدا فالفرصة مواتية لرؤيتها من جديد وبدون أن يتدخل كما فعل في منزل عمه .
توقف أمام منزل كاميليا بواجهته الحجرية الأنيقة في حي "الخامسة" وقلبه يرقص فرحا . ظل ينتظر ظهورها وأثناء إغماض جفنيه خرجت من باب المنزل هي تمسك بحقيبتها . اقتربت من السيارة بتردد فالسيارة التي أمامها ليست سيارة السائق ، والجالس أما المقود هو عماد بكل جاذبيته ورجولته. أحست بقلبها يرتعش بين أضلاعها وقدميها ثقيلتين ولا تستطيع تحريكهما ونسرين تلوح لها بيدها . بقيت ساكنة وعماد يترجل من سيارته ويفتح لها الباب الخلفي بكل احترام . تفادت النظر إليه وركبت ، فحرك السيارة وهو يستمع بإصغاء شديد للحديث الدائر بين أخته وبينها ، قالت نسرين : - أين الأوراق ؟ أريد رؤيتهم .
أخرجت كاميليا الأوراق من حقيبتها وأعطتها لنسرين وعبر مرآة السيارة التقت عينيها العسليتين بعيني عماد السوداويين ، فأشاحت وجهها عنه وهي تشعر بالدوار من عمق نظراته وعينيه اللتين جعلتاها تسرح وتفكر دونما سبب ، وسألتها نسرين : - هل ستذكرين اليوم ؟ رطبت شفتيها بلسانها وقالت : - اليوم الأربعاء وأنا أريد أن أرتاح بعد أسبوع شاق من المذاكرة و الامتحانات لذا سأنام الليلة مبكرا وغدا أذاكر.
سكتت كاميليا وهي تفكر .. لماذا يرتعش قلبها ويخفق بهذه الطريقة ؟. ماذا حدث لهذا القلب الصغير عند رأته وهي تشعر بأن دنيا جميلة وخاصة جمعتها مع عماد لدقائق. ما هذا الشعور والانجذاب له ؟ كانت خائفة ودقات قلبها تزيد النار اضطراما في قلبها الذي صانته دائما وعينت عينيها حارسين مكلفين بحراسته حتى لا يستسلم لأحد بسهولة ونصبت عقلها حاكما يطيعه القلب والعينين . ولكن أين هي هذه السلطة القوية. لم تكن موجودة وهي تسترق النظر لعماد بين لحظة وأخرى وتتذكر كلام معلمة الدين وهي تحذرهن من النظر المباشر للرجل الأجنبي فهي تسبب الفتنة ، وأي رجل تنظر إليه الآن . انه عماد الذي لم يكن يعني لها شيئا في الماضي ، والذي حضرت حفلة خطوبته ورقصت مشاركة نسرين فرحتها ، وشاركتها دموعها عندما قرر الانفصال عن سوسن . ظلت ساكتة في السيارة البادرة وصوت فيروز يعطي دفئا وحياة ..
"كان الزمان وكان في دكانة بالفي وبنيات وصبيان نيجي نلعب عالمي يبقى حنا السكران قاعد خلف الدكان يغني وتحزن بنت الجيران أوعي تنسيني وتذكري حن السكران"
أوقف عماد سيارته أمام المكتبة الذهبية وأعطته نسرين الأوراق وطلبت منه أن ينسخها لها ولأمل ولسماح . وعندما ترجل من السيارة قالت كاميليا لصديقتها موبخة : - لماذا لم تخبرني بأنك ستأتي مع شقيقك ؟ .. أنت تحرجينني. استدارت نسرين إلى الخلف وقالت : - لقد أرسل السائق إلى المطبعة .. لذا اصطحبني هو.
جاء عماد وأعطى أخته الأوراق وطلبت منه التوجه إلى سوق مياس ، قلب القطيف التجاري ، ففيه البنوك ومحلات الصاغة (بائعو الذهب) ، والأجهزة الالكترونية والأزياء والأقمشة والعطور والتجميل والساعات . هز رأسه موافقا وعينيه في المرآة تراقب كاميليا التي تتحاشاه وتنظر إلى الشارع. تنهدت بقوة وهي تشعر بأنها خائرة القوى وسيغمى عليها وتترجاه في سرها بان يتوقف عن النظر إليها بعينيه القاتلتين .أوقف سيارته في المواقف وذهبت أخته وصديقتها لشراء شريط "نجوى كرم " الجديد وظل هو يراقب الناس. النساء المتشحات بالسواد يخرجن من محل ويدخلن آخر ، بعضهن يقف أمام البسطات التي تبيع البخور والعطور المقلدة , وبعضهن في سوق "أم عشرة" حيث كل شيء يباع بعشرة ريالات , وعدد من فتيات يقفن أمام نافذة محل الأشرطة الغنائية حيث دخولهن ممنوع , والأكثرية يدخلن المجمع التجاري القريب . ظل يراقب الناس وكأنه يزور المكان لأول مرة ,وأنهى تأملاته عندما جاءت أخته و كاميليا وركبتا السيارة متوجهين لمنزل سماح وهما تناقشان أغاني "نجوى" الجديدة.
ظلت كاميليا تنظر إليه من العين الزجاجية في الباب حتى اختفى من أمام عينيها وقلبها يخفق بقوة . أسرعت تصعد الدرج لتخبر أختها شذى بما حدث، والسعادة المختلطة بأحاسيس كثيرة ظاهرة على محياها ، بدت مرتبكة وسعيدة وخائفة ، وفي الصالة العلوية التقت بوالدها يخرج من غرفته وبيده بعض الأوراق وما أن رآها حتى سألها بوجهه العابس : - هل نسخت الأوراق التي تريدينها ؟ هزت رأسها إيجابا، فسألها : - ومع من ذهبت؟ -مع نسرين. وسألت والدها: -ومتى سيأتي سائقنا ؟.. سافر منذ أكثر من شهر ولم يعد بعد . زم شفتيه وطلب منها أن تتدبر أمورها مع صديقتها وهو سيستمر باصطحابها مع أختها للمدرسة وختم حديثه : - نحن نعيش في عوز بسبب سفر السائق المفاجئ .. ماتت أمه وتورطنا لا أعرف متى سيسمحون لكن بالقيادة لنرتاح ونتفرغ لأعمالنا . سألته باستغراب : - وهل ستوافق ؟ - نحن البلد الوحيد الذي تمنع النساء فيه من القيادة .. ومع الضوابط سيصبح كل شيء بخير فلسنا وحدنا المسلمين .
بلعت كاميليا ريقها ودخلت غرفتها وقلبها مازال ينبض بقوة، لم تكن تفكر بحديث والدها رغم أنها مناصرة للمرأة في انتزاع جميع حقوقها ، وكانت ابنة خالها تقول لها دائما بأن التغيير يجب أن يبدأ بالنساء أنفسهن فإذا لم يطالبن بحقوقهن وينتزعها فلن يقدمها لهن أحد على صينية من الذهب . كانت مشغولة بعماد ولقائها به وتشعر بأن والدها سمع نبضات قلبها وكشف أمرها . هي منجذبة لشاب ، وهذا ما لن يتسامح به مهما حدث . لم ترد التفكير في الأمر أكثر وقالت لأختها بصوت منخفض : - لقد رأيته يا شذى .. لقد أوصلنا عماد إلى المكتبة ومن ثم إلى سوق مياس .. لقد نظر إلي بطريقة غريبة .. أحسست بأن قلبي سيتوقف عندما تقابلت عيوننا عبر مرآه السيارة .. آه لو رأيته كيف يتكلم وكيف فتح لي باب السيارة بكل أدب وذوق لا يمكن أن تجديه في شاب سعودي أبدا فهو لا يفتح الباب لأحد إلا إذا كان خائفا على الباب . تنهدت وأردف تقول : - أشعر بأني ثملة من نظرات عينيه .. يا لهما من عينين لم أرى مثلهما في حياتي .. هو مميز في كل شيء حتى في أدق تفاصيله .. يضع في خنصر يده اليمنى خاتما به حجر كريم أحمر اللون لا أعرف ما هو .. لابد أنني موعودة به .. وسيكون هذا الرجل لي .. وهذا وعد على نفسي .
طلبت منها شذى أن تتمهل قليلا وذكرتها بأنها في القطيف فهي مقتنعة بأن الحب في هذه المدينة مصيره أحد أمرين . إما أن يموت في قلب المحب بدون أن يعبر عنه ، أو مشنوقا بحكم الظروف والمجتمع والناس هي لا تعيش في مدينة رومانسية وأهلها يتمتعون برقة المشاعر . بل على العكس ، الحب والعاطفة ورقة المشاعر هي عيب وقلة أدب وكلام فاضي . انفعلت كاميليا وقالت لأخيها : - لاتهمني القطيف .. وهل كتب الله علي أن أتزوج من رجل لا أعرفه ومغطى بملابسه ومظهره الكاذب الذي يخفي سيئاته وعيوبه .. لما لا أتزوج برجل أعرفه وأرتاح له وأحبه .. لن أتزوج برجل ( خبط لزق ) ولا أكشف إلا بعد الزواج ولن يسمح لنا بتصحيح هذا الخطأ بسهولة . - واو .. قوية . - سأختار الرجل الذي أريده .. كانت تدافع عن شيء لا تدري ما هو ، وعن علاقة لا تعرفها ولم تدخلها بعد . رغم تأيدها للتعارف قبل الزواج فهو الطريقة الصحيحة لاكتشاف طبيعة الآخر ، ولا تحبذ التعارف بعد الزواج أو الملكة ( عقد القرآن ) ففسخ هذا المشروع صعب وله ثمن محسوب في حياة الشاب والفتاة بنفس القيمة . عاد عماد وأخته لمنزلهما وجدا أمهما جالسة مع ندى وابنتها ، شربوا الشاي وبعد أن صعدت نسرين لغرفتها لتذاكر ، ظل هو يتحدث مع أمه وأخته .
سألهما عن الزواج عندما يقارب الفرق بين الزوجين تسع أو ثمان سنوات ، فتفكيره وانجذابه بكاميليا خلال الأيام الفائتة جعله يفكر بها كامرأة تعيش بجانبه ، وبالتأكيد ستكون زوجته . أجابت أمه عن سؤاله بأن الفارق في العمر ليس مهما وضربت له مثلا فوالده يكبرها بعشرة أعوام وزواجها ناجح .. سألته أخته باهتمام : - ولماذا تسأل ؟.. هل هناك فتاة ما في رأسك ؟ سكت عماد محرجا واضطر لتلفيق كذبة فمنذ عرف كاميليا وهو يكذب فقال : - هناك شاب أعرفه وسيتزوج من فتاة تصغره بثمان سنوات .. وأنا أحسست بأن الفارق كبيرة بينهما . قالت ندى وهي تسكت لها الشاي : - المهم هو التفاهم وإن كان الفارق عشرين سنة .. وأنت متى تفكر بالزواج ؟
أبتسم والسعادة تشع من عينيه وقال : - ربما أقول لكم بأني قررت الزواج في الأيام القادمة .. سأفكر بالموضوع جديا . شربت أمه رشفة من الشاي وقالت له بنظرة فاحصة : - عليها أن تكون من عائلة مرموقة وابنة هامور قطيفي. أبتسم وطلب من أمه أن تدعو له بالتوفيق أثناء صلاتها ، فهو يشعر بالخوف من السعادة التي يعيشها الآن . دائما يدفع ضريبة باهظة للفرح ويحزن بشدة بعد ذلك . بقدر ما كان سعيدا بخطوبته من سوسن بقدر ما كان الحزن والتعاسة تنتظره عندما قرر الانفصال عنها . وعندما تخرج من الثانوية بنسبة مرتفعة وفرح بشدة لأنه سيدرس في أمريكا قتل علاء في اليوم التالي وبقي هنا وأكمل دراسته في الظهران . وافقته أمه وطلبت منه التفكير بجدية ، قالت له : - ما الذي ينقصك يا ولدي ؟ .. لديك الشركة تحت يدك ولديك قطعة أرض كبيرة وقريبة منا وتستطيع البناء عليها في أي وقت .. وإذا أردت أن تسكن معنا فالعين أوسع لك من البيت .. كما أن سوسن ستتزوج في نهاية الصيف وسيشمت بنا أهلها .. لو أطعتني وتزوجت بسرعة لكان لك طفل يمشي وأخر على كتفك الآن .
توجه عماد لغرفته تاركا أمه وأخته مذهولتين من كلامه عن الزواج بهذه الإيجابية ، فلقد تعودتا منه التأفف والانزعاج والرفض المسبق في الكلام عن هذا الأمر ، أما الآن فهو سعيد وعينيه تبشران بفرح وزهو لم يعيشه منذ فترة طويلة . سعيد بالإحساس الذي دغدغ قلبه منذ أن سمع صوت كاميليا وأحبه ، ورآها وأحبها أكثر ، وأحب قربها وعلاقتها المميزة بأخته وعائلته . سعيد بتفكيره وانشغاله بها وبرغبته لرؤيتها ولسماع صوتها . لقد عرف ما يريد من لحظة واحدة وهاهو نصيبه قريب منه . هو محظوظ لأنه عرف ما يريد في لحظات ولم يحتاج للعمر كله ليعرف غايته . أتصل بماجد وراح يتفلسف عليه ويشرح له نظرية النصيب والحياة والزواج من المرأة المناسبة ، وضحك عندما قال لها صديقه ( حتى في الفلسفة والهذرة .. فتش عن المرأة )
*********
قلبت الصفحة بعد أن عجزت عن حل المسألة الفيزيائية وهي مشغولة الفكر بعماد . تريد معرفة ما وراء نظراته لها في اللقاء الأول في منزل أمل ولقاءهما الثاني في السيارة . كثيرا ما تعانقت نظراتهما في ثواني قليلة جعلتها خارج حدود الزمان و المكان . كان قلبها يدق بقوة في السيارة وهي قريبة منه يفصلهما ظهر المعقد . تراه عن قرب وتشم رائحة عطره . كم كان أنيقا ببذلته البنية وقميصه الأزرق ، وكم كان لطيفا وهو يفتح لها باب السيارة بكل لباقة تنهدت وبدأت تكتب .. " أنت تشغل تفكيري أفكر بك رغما عني أرى وحهك الجميل أمامي عينيك السوداويين تحاصرني ولا أدري لماذا ؟ اسمك لا يبرح لساني أصبح اسمك أغنياتي أناديك باسمك دائما وأنادي الجميع باسمك ولا أدري لماذا ؟؟.."
كتبت هذه الكلمات في الدفتر الذي تحل فيه المسائل الفيزيائية . تعودت كتابة أبيات شعرية في أي ورقة تكون بين يديها ، فكتبها ودفاترها الدراسية مليئة بالكثير من الخواطر والذكريات و الأحلام وأبيات شعرية متنوعة وأغنيات نجوى كرم . وما تكتبه هي تجمعه بين فترة وأخرى في دفتر خاص لا يعلم بوجوده أحد فهي تعتبره كتابا خاصا بها ولذكرياتها فقط . قرأت ما كتبته بصوت هامس وأرادت أن تكمل ولم تستطيع فرمت بالقلم وبالدفتر أرضا . أغمضت عينيها وأسندت رأسها إلى الوراء وهي تقول لنفسها ( كفى .. تعبت من التفكير وأريد التركيز في المذاكرة .. ما الذي يحدث لي ؟.. لا أستطيع سوى التفكير به وترديد اسمه في سري ) . . جاءت شذى ورأتها جالسة خلف مكتبها الصغير ورأسها بين يديها ، فسألتها بقلق إذا ما كانت متعبة . ظلت ساكتة ولم ترد على أسئلة أختها فعاودت سؤالها : - هل أنتِ مرهقة ؟.. ما رأيكِ بأخذ قسط من الراحة تعالي معي لنشرب كوبا من الشاي لنجدد نشاطنا فأنا تعبت من المذاكرة أيضا . رفعت كاميليا رأسها وقالت : - وهل أنا أذاكر لكي أخذ قسطا من الراحة ؟ .. منذ ساعات وأنا في الدرس نفسه .
نهضت من كرسيها وتناولت دفترها وقلمها من الأرض ووضعتها على الطاولة وهي تشعر بالتعب وكأن رأسها سينفجر من التفكير . نظرت لنفسها في المرآة بصمت وبدأت بوضع القليل من الكريم المرطب على وجهها وشذى تطمئنها : - لم يبقى على انتهاء الامتحانات سوى يومين وكل شيء سيكون على ما يرام وستحصلين على نسبة عالية بعون الله .. والواسطة موجودة.
نزلت مع أختها إلى المطبخ الواسع المطل على الصالة وأعدتا الشاي وجلستا . سكبت كاميليا لها الشاي ووضعت عددا من مكعبات السكر لم تعرف عددها وقالت وهي تذوبها بالملعقة : - منذ أكثر من أسبوعين وأنا أفكر به .. لا يفارق مخيلتي وأنا أذاكر وأنا أكل .. وأنا أجيب على أسئلة الامتحان في المدرسة .. حتى وأنا نائمة أحلم به . سألتها باستغراب : - وبمن تفكرين ؟ وبنبرة غاضبة أجابت أختها : - من غير عماد .. أحاول أن أقصية عن تفكيري ولكني لا أستطيع . كانت تشعر بالضعف كلما تذكرت عينيه ، فتنفست بعمق وأكملت تقول : - أنا مدركة بأن حياتي بعد ذلك اليوم في منزل أمل ليست كحياتي قبله .. مر أكثر من أسبوعين وما زالت نظراته وعينيه السوداويين تلاحقاني .. أنا لا أعرف ما الذي يجري لي . تلفتت شذى حولها وطلبت من أختها أن لا تتكلم في هذا الموضوع في المطبخ فلو سمعها أحد والديها ستحدث كارثة فهذا الكلام لا يقال إلا في غرف النوم . شربت كاميليا رشفة من الشاي الساخن وقالت لأختها : - أنا في امتحانات الثانوية العامة وأفكر برجل يكبرني بثمان سنوات لمجرد نظر لي بطريقة ساحرة .. أنا هبلة بامتياز . لم تكن تريد إكمال الحديث فضميرها يؤنبها لأن ذهنها مشتت وعبثا تحاول التركيز في المذاكرة ، فسكتت وطلبت من أختها تأجيل الحديث عن عماد لما بعد الامتحانات .
******* عماد الذي أحس الجميع بتغيره حتى أن صديقه ماجد حاصره عدة مرات ليخبره عن سبب تغيره وعدم الخروج معه إلى المقهى كالسابق فجاء لزيارته في منزله وجلس معه في المجلس الداخلي المجهز بجلسة عربية فخمة ومريحة . جلبت الخادمة الشاي الفاكهة والمكسرات وبدءا يتحدثان وهما يشاهدا التلفزيون بصوت منخفض جدا ، قال عماد لصاحبة بحماس : - أنت تعرف بأني أمتلك قطعة أرض كبيرة في " المجيدية"و قريبة من منزل والدي سأبدأ ببنائها و سأتزوج .. الفكرة تشغلني هذه الأيام . سأله ماجد وهو يتناول حبة خوخ وبدأ يقطعها إذا ما كان ينوي الزواج بإحدى قريباته فقال من خارج العائلة بالتأكيد .. مد له صديقه بقطعة خوخ وسأله : - وما الذي غير رأيك ؟ .. لقد كنت رافضا للفكرة في الأمس القريب والآن أراك متحمسا بشدة ؟
أراد أن يقول له بأنه وجد الفتاة التي خفق لها قلبه منذ أن سمع صوتها صدفة ، وعندما رآها أحس بأنه مشدود لها بطريقة عجيبة لكن لسانه لم ينطق ليخبره. يريد البوح للعالم بأسره بما يحتاج قلبه من مشاعر ولدت في قلبه منذ مدة ، ولكن حرصه الشديد على كاميليا منعه وفضل أن تبقى مختبئة في قلبه حتى يأتي الوقت المناسب ليعلنها ملكة على عرش حياته وبمرسوم ملكي يذيعه على الجميع . أبتسم وقال له : - الزواج له وقته المناسب .. وأظن بأن الوقت قد حان .. إنه النصيب ربت ماجد على كتفه وقال مبتسما ومشجعا في الوقت ذاته : - أدخل الدنيا .. صدقني إن الحياة مع امرأة شيء ممتع فمعها ستكتشف عالما جديدا وهو عالم المرأة الغريب والجميل .. لها شخصية غريبة لن تفهمها أبدا ولن تعرف ماذا تريد منك .. ولن ترضيها ولو فرشت لها الشوارع ورودا ورياحين .. ومع ذلك فهي حنونة ورقيقة وإذا غضبت منك تحتاج إلى الكثير من الجهد لإرضائها فعليك أن تشبع غنجها وتدللها وتحبه دائما . ضحك ومن ثم أكمل حديثه : - سمعت أحدهم يقول بأن الرجل بحاجة للزواج من ألف امرأة لكي يفهم طبيعة الأنثى.. أما المرأة فهي بحاجة لرجل واحد لتفهم كل الرجال .. كما أن الإمام علي قال أن المرأة عقرب حلو اللبسة ..أي حلوة المعاشرة .
ضحك من قلبه وهو يستمع لصديقة المستمر بالحديث عن المرأة وعن عوالمها وأسرارها والكثير من الحكايات . وودعه بعد أن تناول العشاء معه ثم ذهب لغرفة أخته نسرين ليتحدث معها قليلا فربما يأتي الحديث بسيرة كاميليا . طرق الباب ولم تجبه فانتظر قليلا ثم دخل ولم يجد أحدا مع أن أنوار الغرفة مضاءة ، وعندما هم بالخروج لمح هاتفها الجوال ملقى على السرير فاقترب منه بخطى بطيئة ومد يده بتردد وبسرعة بدأ بالبحث عن أسم كاميليا في قائمة الأسماء وسرعان ما وجده . دون الرقم على ورقة صغيرة ووضع الهاتف مكانه وخرج بسرعة متوجها لغرفته وظل يتأمل الرقم وهو يفكر .. ( هل أتصل بها ؟ .. وإذا اتصلت .. ماذا سأقول ؟ .. وأخبرها بأني سميتها صاحبة الصوت الرقيق لأني لم أعرفها وأني فعلت المستحيل لأكشف هويتها وأعرف المزيد عنها .. هي بالتأكيد ستندهش من اتصالي وربما تسيء التفكير بي .. وربما تقفل الخط عندما أخبرها من أكون .. لن أتصل بها لكني سأحتفظ بالرقم ).
ظل يفكر بكاميليا والحيرة تجذبه في كل الاتجاهات وتعرض له جميع الاحتمالات والأفكار والحلول حتى غط في نوم عميق . أغمض عينيه وفتحهما بسرعة ، لم يكن مصدقا ، فربما يتهيأ ، يتخيل ، أو يحلم . كانت واقفة أمامه وقطرات الماء الباردة الخارجة من فتحات رشاش الماء تغني بنعومة على جسدها الممشوق وهي تستحم . شعرها البني الداكن المبلل منسدل على ظهرها وهو يراقبها وهي لا تراه . يراقبها بسعادة وهي تغمر ليفتها الطرية بالصابون والماء وتفرك بها بشرة جسمها الناعمة ، وفقاعات الصابون الملونة والفراشات الرقيقة تطير من حولها . نهض من مكانه واقترب منها لم تلتفت إليه . كانت تغني بصوت منخفض وهي تمرر ليفتها على ساقيها وبطنها وذراعيها بانسيابية . كلمها بهمس لم تسمعه . مد يده ليلمسها بأصابعه وهو يشعر بنشوى بالغة وكأنه مراهق يري أنثى عارية لأول مرة ، لكن أطراف أصابعه لمست الرغوة فقط واختفت هي من أمام عينيه . فتح عينيه على غرفته المظلمة ونهض بسرعة وتوجه للحمام . فتح الباب فربما يراها تستحم حقا ، لكنه وجد الحمام خاليا فابتسم وهو يشعر بالأسف لأن ما حصل كان حلما فقط وعاد لسريره ونام
الفصل الرابع
انتهت الامتحانات ولم يبقى سوى انتظار ظهور النتائج في الصفحة المحلية بعد أيام .هذا ما كانت تفكر به كاميليا والذنب يلازمها لانشغالها بعماد طيلة الامتحانات .كانت تخشى أن تنخفض نسبتها المئوية ولا تقبل في جامعة الملك فيصل كما أن والدها رفض فكرة دراستها في الرياض أو جدة عندما ناقشته بالأمر . كانت تخشى أن لا تقبل في الجامعة وتضطر للدراسة في كليات البنات وتقضي مستقبلها في دراسة الرياضيات أو الفيزياء .ولكنها اقتنعت بأن النسبة المئوية ليست بتلك الأهمية على قبولها فالواسطة أهم من أي شيء أخر.
أخرجها رنين هاتفها الجوال من أفكارها .كانت سماح هي المتصلة وتريد أن تذهب معها لزيارة الطبيبة النسائية في مجمع العيادات الطبية فمنذ شهرين والميعاد الشهري متأخر .حاولت أن تطمئنها بأن السبب هو قلق الامتحانات بالتأكيد لكن سماح أصرت على الذهاب فوافقت على الذهاب معها . في السيارة اعترفت لها بأنها تخشى أن تكون حاملا فهي تقابل خطيبها بين فترة والآخر بعد عقد قرانها دون علم والديها وأشقائها . أجرت الطبيبة فحوصها وكانت النتيجة إيجابية فهي حامل منذ أكثر من شهرين .بكت سماح ولم تستطيع العودة لمنزلها فدعت لاجتماع طارئ مع بقية الصديقات في منزل أمل وبختها بعنف وكذلك نسرين و كاميليا وطلبن منها أن تخبر خطيبها أولا وليشارك في مواجهة الأمر . جلس يحدثان في الأمر وساد الجو الكآبة عندما بدأت سماح تنشج بالبكاء وأمل تحسب لها شهور الحمل عندما تتزوج ، ستكون في الشهر الرابع وسينكشف أمرها بالتأكيد ،ولن تتمكن من إخفاء الأمر على عائلتها . كان اجتماعهن كئيبا على غير العادة ، فهن كن دائما يستمتعن بمشاهدة الأفلام أو يغنين ويرقصن ، وأحيانا يخترن موضوعا تعليق بحقوقهن المسلوبة ويناقشن فيه، كالسفر وتصريح ولي الأمر ، واختيار شريك الحياة ، وقيادة السيارة ، إلا أن أحاديثهن في الفترة الماضية انصبت على الاستعداد لزواج سماح . لم تستمتع كاميليا بجو الاجتماع فقد كان حزينا وجعلهن يناقشن قضية الزواج مع وقف التنفيذ الذي عانت منها الكثيرات وها هي صديقهن إحدى ضحاياه،وقررن أن يجتمعن في اليوم التالي فربما تتحسن حالة سماح النفسية ويعتدل مزاجها
*****
جلست كاميليا في غرفتها قلقة وخائفة وسعيدة وحزينة ، كانت مضطربة المشاعر والأفكار ، مشغولة التفكير فجزء من أفكارها في نتائج الامتحانات ، وجزء مع سماح وحملها ، والجزء الأكبر مع من سرق عقلها وقلبها فجأة . لم تكن تؤمن بالحب من أول نظره فهي لم تجده إلا في الأفلام الهندية ولكنها لم تفهم ما أحدثته نظرات عماد . هل أحبته من النظرة الأولى ؟.. لا .. لم يكن حبا ، ربما هو إعجاب ، أو انجذاب أو (حاجه كده) لا تعرفها . ربما يكون حبا ، فلم يكن ذلك اللقاء هو الأول ولا النظرة الأولى فهي تعرفه منذ طفولتها . ولكن لماذا لم تفكر به قبلا وبنفس الطريقة .لماذا الآن تتوق لرؤيته لتأمل ملامح وجهه وعينيه . خطرت ببالها إخبار ناهد بالأمر لترشدها وأجلت ذلك عندما اتصلت بها نسرين تدعوها لجلسة فضفضة , فذهبت لأمها الجالسة في المطبخ وهي تخبز كعكة التمر اللذيذة ، جلست على الطاولة وأخبرتها بأنها ستذهب لمنزل نسرين ، فطلبت منها أن تستأذن من والدها قبل أن تخرج . تأففت فقالت لها أمها : - أخبريه يا ابنتي فأنا لا أريد مشاكل معه .. لو خرجت بدون علمه سيوبخني وأنا لست ناقصة .. وربما يظن بأنك ذهبت لزيارة ناهد.
شعرت بفرح يغمرها ولأول مرة تضع نصب عينيها هدفا آخر من زيارتها لنسرين ،فربما ترى عماد .شعرت بالتوتر قليلا ولكنها سرعان ما أخمدته وبدأت تصفف شعرها وتضع الكحل الأسود والقليل من أحمر الشفاه البراق ، وزادت جرعة عطرها . تساءلت عن سبب لفتها عليه ، وعن زينتها التي أرادت لفت نظره بها ، ارتدت عباءتها ودعت ربها أن تراه ولو من بعيد . أرادت أن تفتنه أو تثير في نفسه عاطفة ما . ابتسمت أمام المرآة وشعرت بأن نيتها شيطانية . لم ترد أن يكون حلما في خيالها ولا تطاوله بيدها .لابد أن تدير رأسه وتتأكد من نظراته .
كان عماد جالسا مع والديه وأخته وزوجها بعد أن تناولا الغذاء ككل يوم جمعة .رجف قلبه بقوة عندما طلبت أخته منهم الانتقال لمجلس الرجال قبل وصول صديقاتها ، وراح يخطط بطريقة ما تمكنه من رؤية كاميليا التي جاءت بصحبة شذى وسماح واستقبلتهن نسرين في غرفة استقبال النساء المطلة على الصالة الكبيرة . جلسن يتحدثن عن دراستهن فقالت كاميليا: - والدي يريد مني الالتحاق بالحقل الطبي وأنا أيضا أريد ذلك .. , وأفكر جديا بالمختبرات الطبية .. لكني خائفة فأدائي في الامتحانات لم يكن بمستوى الذي أطمع إليه . قالت أمل : - رئيس التحرير في جريدة " اليوم" صديق لأخي .. لذا سأطلب منه أن يخبرنا بالنتائج وقت ظهورها وخصوصا بأن الإشاعة المنتشرة هذه السنة بأن الأسماء ستعلن مع التقدير ومجموع الدرجات . أومأت نسرين معلنة موافقتها ، وقالت كاميليا وهي تضحك : - أرجوكم ..أنا صديقتكم المخلصة .. تذكروني وطمأنوني فأعصابي لا تحتمل .
ضحكت نسرين وأخبرتهن بأن ما يحدث لها هو الأدهى فوالدتها تصر على التحاقها بكلية الطب رغما عنها وهي لا تستطيع مخالفتها .ووالدها سيبذل المستحيل من أجل تحقيق ذلك وهو مستعد لدفع أي مبلغ لأي شخص يساعد في ذلك . تحدثن وظلت سماح صامته فلا شيء يهمها ، لا معدل ولا الجامعات والواسطات وتشعر بتفاهة حديث صديقاتها .كان لديها همها الأكبر ، حملها وحفل زفاف الذي أصبح في خبر كان فوالديها ألغيا كل ما كنت تستعد له منذ عام . لقد أصبحت امرأة وصديقتها مازلن يناقشن مواضيع لا تهمها وتقدمت عنهن بكثير .
ظل عماد حائر لا يريد الخروج من المنزل وكاميليا موجودة ، وهي قريبة منه ولا يستطيع أن يراها . صعد لغرفته وأستحم وهو يفكر بها .لبس ملابسه ، بنطلون وقميص أبيض اللون وشعره مصفف بطريقة أنيقة .جلس ينظر إلى نفسه في المرآة وهو ممسك بالورقة التي كتب عليها رقم هاتفها وسرعان ما خبأها في جيبه عندما جاءت أمه . جلست على السرير وقالت له بابتسامه : _ أراك متغيرا هذه الأيام .. ما الذي بحدث لك ؟ ابتسم وقال برضا : - ما يحدث بأنني قررت أن أغير مجرى حياتي الرتيبة ..وربما في الأسابيع القادمة أطلب منكِ الذهاب لخطبة الفتاة . أرادت أن تستدرجه فسألته : -وأي فتاة ؟.. أراهن بأنك تعرف ولا تريد إخباري..ألست أمك ؟.. لماذا لا تصارحني .
ضحك وطمأنها بـأنه سيجد الفتاة المناسبة له ولها وسيطلب منها أن تذهب وتخطبها . تركته في غرفته فأخذ محفظته وخرج ، مشى بخطوات بطيئة نحو المصعد الكهربائي ورآها وهي تصعد الدرج ، نظر لها مبتسما وهي مطأطئه رأسها وخائفة أن يرى أحد ملامح وجهها التي تغيرت عندما رأته . لم يشعر بوجود أحد معها ، رجع خطوتين إلى الوراء ورآها تشيح بوجهها عنه وتدخل غرفة نسرين .
**** في المقهى القريب من شاطئ الدمام بجلستها العربية المفتوحة ، الناس جالسون يشربون الشاي ، والمشروبات الباردة ، والبعض يدخن الشيشة وبغضهم يستمتع بالوجبات الخفيفة المقدمة رغم الجو الحار ، وصوت فيروز يصدح بكبرياء وعزه ..
" أعطني الناي وغني فالغناء سر الوجود وأنين الناي يبقى بعد أن يغني الوجود هل اتخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور فتتبعت السواقي وتسلقت الصخور هل تحممت بعطر وتنشفت بنور وشربت الفجر خمرا في كؤوس من أثير "
جلس عماد مع فيصل وماجد في المقهى يشربون القهوة التركية وهم يتحدثون ، كان عماد يشرب فنجان القهوة دفعة واحد ويطلب غيره وهو مشغول الفكر ولا يشاركهما أحاديثهما إلا بابتسامة تائهة لا تدل على شيء . لاحظ صاحباه شروده ، فقد كان يستمع لفيروز بصمت والابتسامة تعلو وجهه وفجأة نطق بطرب : - آه .. كم أنتِ عظيمة يا فيروز. ضحك ماجد وقال له : - ما بك ؟.. أرى أن هذه الأغنية أطربتك بشدة . أكمل يمازحه: - هل قطعوا سرّك في لبنان ؟ .. لقد أثرت على العاملين هنا فأصبحوا يضعون أغنيات فيروز إذا جئت تسهر هنا . قال فيصل بابتسامة وهو يغمز لماجد : - لا أعرف ما الذي حل بابن عمي المسكين . خاطبة ماجد ممازحا: - ألا تمل من فيروز .. استمع لغيرها يا أخي . تحسس شاربه وقال بابتسامه : - الطبقة موجودة في كل شيء حتى في الغناء والذي يستمع لفيروز يختلف عن الذي يستمع للطقاقات .
أغاظهما فضحكا وعاد هو لصمته وشروده وصاحبيه يتحدثان ويضحكان .ظل مشغول الفكر طوال الوقت وحتى عندما خرج من المقهى مشى بسيارته بدون هدى . قطع شارع الخليج ذهابا وإيابا مرتين وهو شارد الذهن . ذهب إلى جزيرة المرجان وجد المكان خال ومظلم لا أثر به لأحد والنور القادم من أضواء الشارع والسيارات يبعث القليل من الضوء. ترجل من السيارة ومشى بخطى بطيئة نحو البحر ، تخطى حاجز الصخر الكبيرة والتقط حجر صغير رماه بقوة . تنهد وصورة كاميليا تظهر أمام عينيه ، وأحس بالحاجة لسماع صوتها وللحديث معها . عاد لمنزله وألقى نفسه على السرير وهو ممسك بهاتفه ، قال في نفسه (لو يمكنني الحديث معها .. لو أستطيع أن أتصل بها وأخبرها بأني اقضي ليلي سهرا منذ رأيت عينيها .. وحياتي انقلبت رأسا على عقب). ظهر
شوشو عراقي عضو عراقي مميز
عدد الرسائل : 258 العمر : 31 العمل/الترفيه : مشرفة مزاجي : تاريخ التسجيل : 12/08/2008
موضوع: رد: رواية الملعونة / للكاتبة : أميرة المضحي الخميس مارس 15, 2012 2:33 pm
الفصل السابع
أستيقظ عماد من نومه ، صلى وبدل ملابسه وتوجه للصالة لم يجد أحد . أتصل بأمه فأخبرته بأنها بصحبة زوجة عمه في منزل إحدى الصديقات ، وبعدها ستذهبان لمنزل عمته فلقد رجع "عصام وريم " من كندا فجر اليوم وطلبت منه أن يأتي لرؤية عمته التي قرت عينيها بعودة ولديها التوأم . راح يبعث في جواله وأرسل لكاميليا رسالة نصية (أصبحت الحياة في نظري جميلة منذ اعتلائك عرش قلبي ..أيامي رائعة منذ رأيتك ..وأصبح لعمري ثمن غالي ) . ذهب مع ماجد إلى سوق السمك فهو يحب شراء سمك الهامور والكنعد الطازج ، ومن ثم دعه ليذهب لمنزل عمته . استقبلته عمته بعناق حار وعاتبته على عدم زيارتها ، لكنه استطاع التملص منها بحجة انشغاله بالعمل . جلس يتحدث مع عصام الذي استأذنه لاستقبال أحد أصدقاءه ، فأمضى الوقت يتحدث مع ريم مما لفت نظر أمه التي لم تخفِ إعجابها بريم خريجة كلية الطب من أعرق جامعات كندا.
قضى بعض الوقت في منزل عمته ومن ثم عاد مع أمه التي أبدت له رغبتها الملحة في قبول نسرين في كلية الطب ، وتذكر ردة فعلها عندما تراجع عن السفر للدراسة في أمريكا بعد مقتل علاء ، كانت غاضبة ومصدومة وحزينة ويومها اتهمت والده بأنه من حرضه على التراجع . خشي أن يتكرر الأمر ولكن بصورة مختلفة قليلا فوالده يرفض خروج نسرين من المنطقة الشرقية للدراسة .أبتسم عماد وطمأنها : - سيكون كل شيء على ما يرام .. ونسرين أجابت على أسئلة امتحان القبول بطريقة جيدة . تنهدت سميرة وقالت: - لا تأخذ كلامها على محمل الجد ..لقد كانت تقول بأنها تجيب على أسئلة الامتحانات الثانوية بشكل جيد ومن ثم تكون نسبتها أربعة وثمانون بالمائة فقط ..وأمل لا تفرق عنها كثيرا .. كاميليا أحرزت ثمانية وثمانون ..وسماح المشغولة بخطيبها تفوقت عليهن وأحرزت ثلاثة وتسعون .
استأذن أمه وصعد لغرفته ليتصل بكاميليا ردت بصوتها الرقيق ، فقال لها بسعادة لم تخلو من العتب : - ألم ترِ الرسالة التي أرسلتها . أعجبتها كلماته وشعرت بأن لها موسيقى رائعة ، وأكثر ما أعجبها هو اعتلائها عرش قلبه ، فسألته بدلال : - وماهي مدة اعتلائي العرش ؟ - أنتِ الملكة ..وهواك سلطان علي وعلى قلبي مدى الحياة ..منذ العام 1999 وحتى النهاية.
تحدثا عن بداية تعارفهما وكيف جمعت بينهما الصدفة . ضحكت وسألته ما الذي جذبه لصوتها تلك الليلة بالذات وهي صديقة أخته منذ الطفولة .عرفها طفلة وفتاة مراهقة وأحبها شابة صغيرة تصغره بثمان سنوات . سألها إذا ما لفت انتباهها قبلا فقالت له بعفويتها المعهودة بأنها لم تفكر به كرجل يوما وربما فارق السن هو السبب . فعندما كانت طفلة كان مراهقا ،وكبرت وهي لا تراه كثيرا رغم ترددها الدائم على منزل والده . عندما نظر إليها تلك الليلة بتأمل بان واضحا في نظراته التي أغضبتها أحست بأن شيئا ما قد تغير فيها وانجذابها له كان قويا . قالت له: - جذبتني عيناك السوداويين وقوتهما وشخصيتك الرصينة وثقتك بنفسك ..لطالما أحببت الارتباط برجل رزين ولم أحلم بمن يكرني بعامين أو ثلاثة ويكون مراهقا بعد . كان يود أن يقول لها بأنه يحبها لكنه وجد صعوبة في قولها صريحة ، فلم يقلها لأحد أبدا .بدأ حدثيه: - أشعر براحة وأنا أتحدث معك .. بلع ريقه ثم قال: - أنا .. توقف للحظات قبل أن يتم عبارته ، ثم قال: - أنا أحبك. شهقت كاميليا ولكن بصمت. شعرت بأنها تحلق في السماء وتطير بغير جناحين ، لم تسمع ما قاله لها بعد ذلك .أنهت حديثها وركضت إلى أختها تخبرها بالحدث الأهم . أعترف لها عماد بحبه ، وهي الآن لا تعرف ما الذي تحسه نحوه . تتوق لرؤيته ولعناق عينيه فهو صاحب أجمل عينين سوداويين رأتهما في حياتها . ربما تحبه ولكنها ظلت تشك ولذا طلبت من ناهد الاتصال به واختباره . وعندما نجح في الاختبار بعدم قبوله دعوة ناهد للتعارف وأغلق الخط فرحت كثيرا . طارت من السعادة عندما أتصل بها يخبرها بقدومه ليحضر لها شيئا لم يخبرها ماهيته . اختارت له وقتا يكون فيه والديها خارج المنزل وطلبت من الخادمة أن تفتح له الباب . كانت سعيدة بهديته ، قنينة عطر "ألور" من شانيل ، وباقة من ورود الكاميليا البيضاء كتب على البطاقة المرفقة (الكاميليا ملكة الورود وأنتِ ملكة حياتي ..أحبك كثيرا وعلى الوعد سأبقى ).
شعرت بمصداقيته ونبله عندما قبلت مع صديقتها في كلية العلوم الطبية لدراسة مختبرات ، لم تكن قادرة على التعبير عن سعادتها فقد وفى بوعده .لابد أنها موعودة به وبأن السعادة ستعيشها بجانبه . شغلت المسجلة التي أذاعت لها صوت نجوى كرم في أرجاء غرفتها وراحت ترقص بفرح أمام المرآة حتى تعبت .
"كنت صغيرة وكان يوصيني بيي صرت كبيرة وعم بمشي ع الوصية إذا بعشق ..بعشق مضبوط ما بغلط لو بدي أموت سموني الوفية.."
اتصلت به تشكره والامتنان يغمرها . شعرت بأنها تحبه وتجرب طعما لم تذقه قبلا وتحسه تحت لسانها كطعم العسل . لم تغمض عينيها من السعادة وظلت تتحدث مع أختها حتى وقت متأخر ولم تنم إلا بعد شروق الشمس . استيقظت ظهرا على اتصال أمل تخبرها بذهابهن إلى منزل سماح لوداعها ففجر الغد تسافر . كان الوداع كئيبا وسماح حزينة وتشعر بالنقمة على الدنيا كلها ، ابتداء بإخوتها ونهاية بالمجتمع بأكمله فلو عرف أحد بحملها لأصبحت حديث الناس.
شوشو عراقي عضو عراقي مميز
عدد الرسائل : 258 العمر : 31 العمل/الترفيه : مشرفة مزاجي : تاريخ التسجيل : 12/08/2008
موضوع: رد: رواية الملعونة / للكاتبة : أميرة المضحي الخميس مارس 15, 2012 2:41 pm
الفصل الثامن
جامعة فيصل ، حلم الصديقات الثلاث نسرين وأمل وكاميليا . ظلت نسرين معهما ولم تفلح محاولات أمها في جعلها تدرس الطب خارج المملكة . افتقدن سماح بعد أن سافرت مع زوجها إلى "ميتشغان" للدراسة . أصبحن ثلاثة فقط كما كنّ قبل أن يتعرفن عليها في الصف الثاني ثانوي . ارتبطت بهن كثيرا خلال العامين الماضيين وما أن ابتعدت حتى خف وهج هذه الصداقة . كانت تتصل بهن بين وقت وآخر وسرعان ما تناقصت مكالماتها تدريجيا حتى انقطعت بعد مرور ستة أشهر على سفرها .
أحست كاميليا بالغربة في عالم منفتح ومختلف عن المدرسة ووجودها مع صديقتيها خفف من وطأة هذا الشعور عليها . بدأت تتغير يوما عن يوم ونسرين وأمل لاحظتا تغيرها وقالتا لها عدة مرات (نرى عينيك ترقصان يا ملعونة والسبب إما الحب ،أو الهبل ). كانت تتساءل دائما وهل ترقص العينين على إيقاعات القلب ؟ .. يا لهاتين العينين الفاضحتين والثرثارتين . أخبرتا الجميع دون إذن صاحبتها بما حدث في ذلك القلب الصغير، لم تكونا أمينتين عليها وعلى قلبها أبدا . كانت تتساءل باستمرار ، ما الذي حدث لها وكيف غزا عماد قلبها وأقتحمه بهذه السهولة . لماذا لم تقاومه كما يقوم أبناء الوطن الأوفياء الغزاة الغاشمين . كيف وصل لقلبها وعقلها وأحتلهما ورفع راياته على حياتها بهذه السرعة. ما هي قدرة أسلحته التي لم تستطيع التصدي لها فهو لم يستخدم غير اللطف واللباقة وجاذبيته العجيبة وعينين سوداويين غامضتين وآسرتين .
توطدت علاقتها بعماد أكثر ، وأصبح يتصل بها مرتين يوميا في اليوم يخبرها عن يومياته وعن عمله وعن حياته التي تغيرت منذ سمع صوتها لأول مرة، وتخبره هي عن دراستها ومحاضراتها . كان يجلب لها الكتب الدراسية الغير متوفرة في المكتبات المحلية يطلبها من الرياض أو الأردن وأحيانا من أمريكا لأخته وابنة عمه ولها. وسرعان ما زادت عدد المكالمات وبدأ يخبرها عن حياته وأفكاره وخططه المستقبلية . كانا يتحدثان عن نفسيهما وشخصيتهما . تعرفت عليه أكثر وأخبرته عن حياتها ووالديها وأختيها .فهي ابنة عائلة نصف متحررة كعائلته بالنسبة لعموم مجتمع القطيف المغلق أبو وجه ووجه ، تبيح أمور ولا تغفر أمورا أخرى . والدها أحد وكلاء الأجهزة الالكترونية يسمح لها بالخروج مع سائقها لأي مكان تريده وحدها أو مع أختها أو مع صديقتيها حسب مزاجه . يسمح لها بكشف وجهها والتنزه في الأسواق والذهاب إلى المطاعم والمقاهي التي بدأت تنتشر في الخبر و الدمام ، ولا يسألها عن مكان ذهابها . والدها المتفتح في الكثير من الأمور ، لن يغفر لها لو تعرفت على أحدهم وارتبطت به بأي علاقة مهما كانت . كان يحذرها دائما من العلاقات المختلطة وخاصة بعد التحاقها بكلية العلوم الطبية وهو مجال تحتك فيه بالرجال العاملين في الحقل الطبي،ويردد على مسمعها هي وأختها بأن الذئب لا يؤتمن على الغنم أبدا . كانت دائما ما تفكر بأن والدها لو عرف بشأن اتصالاتها بعماد لأخرجها من الجامعة وحبسها في المنزل . أحبت دودي (عماد) كثيرا كما تحب أن تدلّله ، من شدة تأثرها بقصة حب الأميرة ديانا والمصري عماد الفايد والتي أدت لمقتلها . لم تكن سعيدة فقط بوجوده في حياتها ، بل كانت منتشية والسعادة لا تستوعب ما تشعر به . كانت تحبه كل يوم أكثر كلما أثبت لها صدق نواياه وجديته معها وأبعد عنها طيفا من شكوكها الطبيعية التي تنتاب أي فتاة تتعرف على شاب في مجتمع مغلق بشبكة حديدية أكلها صدأ أبهرها برقته ورجولته وتفتحه لم تستطيع غير الوثوق به وتصديقه ولم يبقى في عقلها أي نوع من الشكوك . كيف تشك به وهو الذي ساعدها في القبول في الجامعة . وعندما أخبرته عن بيت الأحلام الذي تريد العيش فيه ، أرادت بيت أسطوري على هيئة بنائين متداخلين تفصلها حديقة داخلية ووافقها وذهب لاستشارة العديد من المهندسين لتنفيذ هذه الفكرة وكان مستعدا لجلب مهندسين من الخارج لو لزم الأمر.
أحبته بطريقة لم تتخيلها ولا تستوعبها ولا تصدقها . لم يطرأ على بالها بأنها ستحب رجلا يوما ما بهذا القدر. كانت متيقنة بأنها ستتزوج من رجل تعرفه منذ أن يتقدم لخطبتها ، وإن عرفته قبلا فستراه بالصورة المثالية التي يحاول إي شاب سعودي رسمها لنفسه . رجل طموح ومثالي يقدر المرأة ويقدس الحياة الزوجية وتنكشف صورته الحقيقة المختلفة مع الوقت . في فترة الخطوبة سيختار صورة السوبرمان صاحب البطولات الخارقة والقدرات العجيبة في الحياة والمواقف ، والشهم والنبيل والمستعد بالتضحية بحياته من أجل حبيبته .أو الدون جوان صاحب العلاقات الكثيرة ترتمي الفتيات بين قدميه وهو يختارها من بينهن كقصة حب سخيفة لم يسمع عن غيرها في حياته . كانت تتمنى أن تحظى على الأقل بالمثالي وتحبه منذ أن يتقدم لخطبتها كما كانت ترى البنات التي تعرفهن ، حيث يصبح أسمه الحبيب منذ أول يوم تراه فيه . وبعد عقد القرآن تنشأ قصة حب خرافية وغريبة بين يوم وليلة ، وترغم نفسها على التصرف كعاشقة في فترة الخطوبة . كانت تكره صاحب البطولات المزيفة كما تكره اللاهث وراء النساء . كانت مؤمنة بأن قصص الحب الحالمة التي تشاهدها في الأفلام وتقرأ عنها في الروايات لا يمكن أن توجد في السعودية وفي القطيف تحديدا.
اشد ما تكره الزواج برجل ازدواجي كغالبية الرجال الذي يظنون أنفسهم حراسا للفضيلة . يثابرون على صلاة الجمعة ، ويحرمون الغناء ، ويلوكوا عرض الفتيات كل حسب هواه ويتحكموا بلباسهن ، فمنهم من يرفض عباءة الكتف ومنهم من يرفض كشف الوجه ، أو عمل الفتاة المختلط بحجة العادات والتقاليد التي يجب أن تداس بحذاء ذو كعب عالي برأيها . وما أن يصبحوا في الخارج تجدهم يتلذذون الشرب في المراقص ، وينثرون الورد على أجساد الراقصات ، ويلعبون القمار في الكازينوهات ويرتادوا الفنادق المشبوهة ، حتى عندما يسافرون إلى سوريا لزيارة السيدة زينب نهارا تكون للسهرات والحفلات نصيب في الزيارة أيضا ولكن في آخر الليل ، بعد أن ينام الدين والعادات والتقاليد المطبقة على النساء فقط داخل البلد .
كانت تشك بوجود حب في بلادها ، تشك بوجود مشاعر تجتاح قلب الإنسان وتغير أفكاره وحياته . مشاعر قوية وغير مفهومة كالتي أصابتها منذ رأت عماد في ذلك اليوم . لم تدرك وقتها بأنه الرجل الذي سيلغى كل أفكارها القديمة وسيحيل كفرها بالحب إلى إيمان لا تشوبه شائبة من الشك ، فهو سحر لم تستطيع فهمه وتفسيره وفكه . وعندما فاجأها بأولى هداياه عطر "ألور " وعبرت له عن إعجابها به أصبح يضيفه لأي هدية أخرى يجلبها . لديها العديد من زجاجات العطر وآخرها أحضرها في علبة أنيقة ضمت زجاجات العطر وساعة ثمينة أخرجتهما من بين أوراق الورد الملونة في تلك اللعبة . بدت متغيرة ، ساهمة وابتسامة الحب البلهاء تزين وجهها دائما ، وتتحدث طويلا عبر الجوال وكلما اتصلتا بها صديقتها تخبرها النغمة بأنها تتحدث . كانت سعيدة وتغني لفيروز دائما وهي التي تحب نجوى كرم بصوتها الجبلي ومواويلها وعنفوانها ، وكثيرا ما سألتاها صديقاتها إن كانت تعرف أحدا ، أو تحب أحدا ..تنفي ذلك ولكن انفعالاتها وتصرفاتها تكذبانها على الدوام . أصرت على جعل علاقتها بعماد سرية ليكون لها طابعا خاصا . لم تخبر أحدا غير ناهد التي باركت لها هذا الحب لم ترد اكتساب سمعة سيئة كالبنات اللاتي يتفاخرن بمعرفتهن فلان وعلان .أو تسجيل نفسها في موسوعة زميلتهن سعاد الذي تجمع فيها اسم كل فتاة بخويها أو صاحبها .أرادت جعل حبها مثالا جيدا لما يجب أن يكون عليه الحب في القطيف والسعودية ، فليست كل العلاقات عبثية ومصيرها الفشل أو الوقوع في الأخطاء وتجاوز الخطوط الحمراء . كانت فرحة لأن حبها طاهر وهي تغالب نفسها ولهفتها لحبيبها وترفض لقاءه في أي مكان عام.
شوشو عراقي عضو عراقي مميز
عدد الرسائل : 258 العمر : 31 العمل/الترفيه : مشرفة مزاجي : تاريخ التسجيل : 12/08/2008
موضوع: رد: رواية الملعونة / للكاتبة : أميرة المضحي الخميس مارس 15, 2012 2:44 pm
الفصل التاسع
يوم شتائي بارد من أيام شهر فبراير والسماء ملبدة بالغيوم وكاميليا جالسة مع صديقاتها بسعادة في كافتيريا الجامعة المتواجدة في الطابق الثاني من المطعم . نظرت إلى الطالبات وهن يتحركن في جميع الاتجاهات ويدخلن إلى المباني المختلفة بعد أن بدأت السماء تلقي بالقليل من قطرات المطر المنعشة . احتست الشاي الساخن الذي تتلذذ به شتاءا وقالت بابتسامة : - هذا أول شتاء لنا في الجامعة ..وأريد أن أمشي تحت هذا المطر المنعش - ستبتلين ..وربما تمرضين أيضا . وضعت دفترها وأقلامها في حقيبتها وقالت لهما بابتسامة وهي تنظر لنفسها في المرآة بأن المطر لا يبللها . وضعت القليل من عطر "ألور" خلف أذنيها ونزلت بسرعة لتستمتع بهذه الزخة المنعشة من قطرات المطر . وحالما ابتعدت عنها شربت أمل رشفة من الشاي وقالت لنسرين بتعجب: -لا يبللها المطر .. بعلمي إنها لا تحب كل ما هو شتائي .. هي غربية الأطوار وتخفي عنا شيئا ما . وافقتها نسرين وذكرتها بأن عماد ولد في يوم ممطر ولذا هو يحب الخروج تحت زخات المطر الخفيفة والمنعشة دائما يقول بأن المطر لا يبلله . كانت متأكدة وهي تقول : -أصبحت ألاحظ عينيها وهما سعيدتين والحب هو السبب .. ولكن تحب من يا ترى ؟.. فهي لا تطيق أبناء عمها ..حتى ناصر الذي يريد الزواج بها ..وليست لها أي قرابة أخرى وأشقاء ناهد كلهم كبار ومتزوجون ..أراهن بأنها واقعة في حب أحدهم .
ظلت كاميليا تتمشى وحدها والسماء ترشها بقطرات مطر خفيفة وهي تفكر بعماد وقلبها يرقص من حبها له . كانت سعيدة ولا تجرؤ على البوح بمشاعرها الصادقة لصديقتيها المقربتين ، وتود لو تصرخ تحت المطر بذلك دون أن يعتبرها أحد مجنونة . توقفت السماء فجأة عن إنعاشها بقطرات المطر ، فنظرت إلى ساعة يدها المشيرة إلى العاشرة وهو وقت المحاضرة . مشت ببطء متجهة نحو المبنى الرئيسي . استوقفتها أمل ونسرين اللتين جاءتا خلفها بسرعة ، وقالت لها أمل بخبث : - لقد تبلل شعرك ..لم أعهدك تحبين المطر هكذا ! ابتسمت وقالت وفي عينيها بريق خاص : - أنا أحب المطر وكنت أتمنى لو ولدتني أمي في يوم ممطر .
تبادلت نسرين وأمل النظرات باندهاش ،ورفعت كاميليا شعرها البني الداكن وذهبت معها إلى القاعة بعد أن خبأت صورة عماد في قلبها بدلا من عينيها حتى لا يراه أحد. تذكرت كيف كان ينظر لها عندما كانت في سيارته وصوت فيروز يصدح بسعادة ، وراحت تدندن : - كان الزمان وكان في دكانة بالفيّ ..وبنيات وصبيان نجي نلعب ع الميّ. فتحت ذراعها لعناق لفحة هواء باردة وهي تغني : - لالالا لا ..لالالا لا أوعى تنسيني وتذكري حنا السكران. تبادلت نسرين وأمل النظرات باستغراب من تصرف صديقتها ، فسألتها أمل : - ومنذ متى تحبين فيروز وتغنين لها ؟.. وحنا السكران بعد . ضحكت وأجابتها : - أحبها من زمان . ابتسمت أمل وقالت بمكر : - بعلمي تحبين نجوى كرم ..ولم تكوني تغنين غير "ما بسمحلك "و"روح روحي "ومؤخرا "عيون قلبي" ..ستغضب منك نجوى كثيرا . ظلت كاميليا ساكتة وعلى وجهها ابتسامة غامضة ، فضحكت نسرين وقالت: - يا لعينة أنتِ متغيرة وتخفين عنا شيئا ما. وراحت كاميليا تكمل دندنتها بنشوى: - حلوة فبيت الجيران راحت في ليلة عيد ..وأنهدت الدكان وأتعمر بيت جديد.. وبعدو حنا السكران على حيطان النسيان .. عم بيصوّر بنت الجيران. أمسكت نسرين بذراعها وقالت : - دعينا نذهب للمحاضرة فالدكتورة جويرية لا تتأخر ..بلا حنا السكران بلا خرابيط.
جلست في آخر القاعة وهي تردد اسم عماد في قلبها . تحبه وتراه جاد في حبها ولا تستطيع التشكيك في صدقه، كانت تحبه كثيرا وتتساءل دائما إذا كان يحبها بالقدر الذي تحبه هي أو أقل أو ربما أكثر . عماد الذي أخبرها بأنه يراها حبيبية وزوجته وأم أولاده ، وشرع في بناء المنزل الذي أرادته . كانت فرحة سعيدة جدا لموافقته على فكرتها ووعدها بتنفيذها بلا تردد.تأكدت من حبه لها وهي سعيدة بهذا الحب ودائما تتساءل عندما تنفرد بنفسها ليلا على الوسادة (ألهذا الدرجة تكون الحياة كريمة معي فتمنحني رجلا يحبني بهذا القدر؟!..ومنذ وعده لي بانتظاري حتى انتهاء دراستي وهو لا يتواني عن الاتصال بي والسؤال عني ومساعداتي بالقدر الذي يمكنه بعيدا عن عيون جميع الناس . آه يا عماد .. كم أنت رجل نبيل وكم أحبك وفخورة بك .. لم تتوانى عن بناء منزل الزوجية الذي أردته أنا ولا روابط رسمية بيننا ..الروابط التي يعترف بها الناس وأنا متأكدة أن ما بيني وبينك أقوى من كل الروابط فبيننا حب كبير لم اقرأ عنه ولم أسمع عنه قبلا .. وهذا يكفي )
تنبهت والدكتورة جويرية تناديها وتطلب منها الإجابة على سؤال طرحته . تلعثمت وسكتت بخجل والدكتورة تقول لها بلهجتها السودانية المحببة : - الظاهر أنك وصلتِ للغريقة ..وأنا عمالة أشرح من الصبح وأنتِ مو معايا . أحست بخجل وزميلاتها ينظرن إليها وهن يضحكن ، فعماد أخذ الجزء الأكبر من تفكيرها .