أبلغت بعض البنوك الاستثمارية في الخليج عن خسائر في القيمة السوقية المتعلقة بالمزيد من الاستثمارات غير السائلة، وأن الأزمة العالمية أدت إلى انخفاض أحجام الوساطة. حسن العالي من المنامة لا يزال كثير من المراقبين يركزون أنظارهم على أداء البنوك الاستثمارية في دول مجلس التعاون الخليجي بعد مرور نحو ثلاث سنوات على نشوب الأزمة العالمية عام 2008، حيث لا يزال أداء هذه البنوك متعثرا مثل ''بيت التمويل الخليجي'' و''انفستكورب'' و''انوفيست'' في البحرين، كما سجلت أكبر خمسة بنوك استثمارية في دول مجلس التعاون الخليجي خسائر عامي 2009 و2010، وما زالت هناك أيام عصيبة تنتظر هذا القطاع. ورغم أن البنوك الاستثمارية الخليجية تمتعت بنمو هائل خلال السنوات الخمس ما قبل نشوب الأزمة العالمية، إلا أن تصفية أو بيع، أو تحويل خمسة عمالقة المصرفية الاستثمارية الأمريكية من بينها ''مورجان ستانلي'' و''ميريل لنش'' يعني أنه ربما ينبغي على أكبر المؤسسات المالية الاستثمارية الخليجية أن تتأقلم وتراجع استراتيجيات استثماراتها. فقد أدت الأزمة العالمية إلى انخفاض أحجام الوساطة، بينما الاندماجات الاستحواذات نادرة. وأبلغت بعض البنوك الاستثمارية عن خسائر في القيمة السوقية المتعلقة بمزيد من الاستثمارات غير السائلة. علاوة على ذلك، تعد أسواق الدين متمددة كثيرا. ويقول مديرو أسواق المال إن ما بدا شحا في السيولة بسبب الإقراض المفرط، يمكن أن يتطور إلى أزمة ملاءة. وإذا كان أي بنك قادرا على الحصول على التمويل في الأساس، فإن المحللين يرون أن ذلك سيكون على أقل تقدير بضعف التكلفة التي كان عليها قبل بضعة أشهر. وسبق للمؤسسة العربية المصرفية، وهي بنك مقره في البحرين، أن قامت بشطب كامل رأسمالها بسبب الأزمة وإعادة ضخ أموال جديدة من قبل المساهمين بفضل ملكيتها من قبل حكومات عربية وخليجية. وقالت آنذاك إنها تحركت بعد نشوب الأزمة باتجاه أنموذج التجزئة الممول بواسطة الودائع أكثر. لكن المصرفيين يقولون إن الاختلافات المهمة بين نماذج المصرفية الاستثمارية الدولية والإقليمية ستساعد بيوت المال في الشرق الأوسط على أن تحقق نجاحاً أفضل من نظرائها في وول ستريت. والبيوت الإقليمية أقرب شبها بمديري الأصول وبيوت الوساطة، وليس الأنموذج المصرفي الاستثماري الكامل الذي نشهده في الأسواق الغربية، حسبما يقول المصرفيون، الأمر الذي من شأنه أن يقدم بعض العزاء. وفي حين شهدت الرسوم المستوفاة من إدارة أموال الزبائن انخفاضا كبيرا بسبب انخفاض حجم المحافظ الاستثمارية، يلاحظ أن البنوك الاستثمارية المحلية لا تنفذ كثيرا من التداولات بأموالها الخاصة، وتقدم في العادة مبلغاً صغيراً فقط من أموال البداية للصناديق. ومقارنة بالبنوك الاستثمارية الغربية ـ مثل ''جولدمان ساكس''، حيث يأتي أكثر من نصف الدخل من تجارة الممتلكات ـ فإن البنوك الاستثمارية المحلية أقل انكشافا لخسائر التداول المباشر. إن البنوك الاستثمارية المحلية أصغر بكثير من أن تشارك في عمليات الإقراض المربحة سابقاً، إلى الحكومات الإقليمية والشركات، الأمر الذي أسهم في الحد من انكشافها الائتماني طويل الأجل. وتعد بعض البنوك التجارية الكبيرة مقرضة فاعلة للشركات والمشاريع، لكن لا يبدو أنه يوجد أي بنك استثماري محلي ضمن جداول الإقراض الإقليمي. لكن الميزة الأكبر للصناعة الإقليمية تتمثل في اعتمادها الأقل على الإقراض قصير الأجل. ونسبة الدين إلى الأسهم في البنوك الاستثمارية المحلية هي في العادة من رقم بخانة وحيدة، بينما البيوت الدولية القوية للغاية تكون نسبة الاستدانة فيها أكثر بنحو 20 ضعفا، على الرغم من تخفيف الديون بشكل محموم في العام الماضي. ويقول محللون إن أسواق الدخل الثابت غير متطورة بشكل جيد فعلياً في الشرق الأوسط، ولا توجد شهية في واقع الأمر للأوراق التجارية التي تصدرها البنوك. لذلك، يجب أن تكون ممولاً عن طريق الأسهم في الغالب. ومن شأن ذلك أن يعطينا احتياطياً أكثر عمقاً عندما تتحرك الأسواق في الاتجاه المضاد''. وقامت بعض الشركات الاستثمارية الأصغر حجماً ـ خصوصا في الإمارات والكويت ـ بالاقتراض من أجل الاستثمار، وربما تضطرب عندما تقطع البنوك الدولية خطوط الائتمان، غير أن معظم المؤسسات المالية الأكبر حجماً يمكن أن تخرج من أزمة الائتمان. ويتوقع محللون أن ينهار عديد من شركات الوساطة الأصغر حجماً، ومديري الأصول، ومن المرجح أن تذهب أنشطة أعمالها إلى المؤسسات الأكبر التي تبقى قائمة. غير أن الأسباب لاعتماد استراتيجيات جديدة للعمل المصرفي متشابهة إلى حد كبير في السوقين الأمريكية والخليجية. والمخاوف الرئيسية هي أن المصارف الاستثمارية الصرفة، والتي تعتمد بشكل أساسي على أسواق رأس المال لتمويل نشاطاتها، أجبرت على خلق منتجات معقدة وديون لجني الأرباح. ويبدو أن أي تراجع أو ''تحطم'' في أسعار العقار، قد يرغم بعض المصارف الإسلامية على إعادة النظر في استراتيجياتها. ولكن في نهاية الأمر، فإن المنطقة بحاجة إلى ممولين لتمويل المشاريع الكبرى المخطط لها. كما أن المصارف الاستثمارية الصغيرة، بما فيها الإسلامية، غير قادرة على تأمين السيولة اللازمة التي تحتاج إليها المنطقة، خصوصاً في ظل توقف أسواق رأس المال عن تأمين هذه السيولة لهم. وأظهرت سوق العمل المصرفي في الاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي بعض القوة بين عامي 2005 ـ 2007، محققة بذلك معدل نمو سنويا بلغ 17 في المائة في كل القطاعات، باستثناء قطاع السمسرة. وبعد أن بلغ العمل المصرفي الخليجي في الاستثمار ذروته في عام 2007 حيث وصل إلى 5.5 مليار دولار، عاد ليشهد انحساراً إلى 2.4 مليار دولار في عام 2010 بعد أن عانت صناعة الخدمات المالية حول العالم من بعض أسوأ حالات العمل التجاري في التاريخ. وتدنى الطلب على خدمات العمل المصرفي في الاستثمار بعد أن جفت السيولة وبلغ عقد الصفقات حد التوقف. ومهما كلف الأمر، فإن ما حصل للمصارف الخليجية العاملة في الاستثمار لم يكن وليد تدني الطلب مؤقتاً على خدمات العمل المصرفي في الاستثمار فقط. وحيث إن هذه البنوك لم تنوّع حقائبها التجارية بشكل نموذجي، وانتقال الخيار للتركيز بدلاً عن ذلك إلى الملكيات الخاصة والاستثمارات الأساسية، فقد تعرضت هذه البنوك لخسائر ضخمة في قيمة استثماراتها. ونظراً لغياب جدول عائدات متنوع، فقد كان حجم هذه الخسائر أكبر من المعلن. وهناك ثلاثة مجالات على وجه الخصوص تستحق كثيرا من الاهتمام: احتمالات النمو، الاحتياجات الأساسية والمالية المحتملة. وتختلف قطاعات سوق المصارف الاستثمارية بشكل بارز في قدرتها على النمو. فالملكيات الخاصة، على سبيل المثال، أثبتت وجودها في المنطقة تاركة هامشاً قليلاً للاختراق. وعلى كل حال، فإن القطاعات الأخرى، وعلى وجه الخصوص إدارة الأصول والأسواق الرئيسية، ما زالت في طور البروز وهي قطاعات واعدة إلى حد كبير. كما أن مؤشرات الطلب تظل قوية بما في ذلك حاجة كبيرة لتمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة التي جرى تخطيطها أو التي هي قيد التخطيط في المنطقة، ومن المرجح أن تلعب الأسواق الرئيسية دوراً أكبر في الوقت الذي تمضي فيه الاقتصادات المحلية نحو النضوج.
بعد مرور 3 سنوات على الأزمة المالية.. أيام عصيبة تنتظر البنوك الخليجية